يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} فلو كان الناكث كلما طلب العهد منا وجب أن نجيبه لم يكن للنكث عقوبة يخافها بل ينكث إذا أحب لكن يجوز أن نعيدهم إلى الذمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهب الزبير بن باطا القرظي لثابت بن قيس بن شماس هو وأهله وماله على أن يسكن أرض الحجاز وكان من أسرى بني قريظة الناكثين فعلم جواز إقرارهم في الدار بعد النكث وإجلاء بني قينقاع بعد القدرة عليهم إلى أذرعات فعلم جواز المن عليهم بعد النكث وإذا جاز المن على الأسير الناكث وإقراره في دار الإسلام فالمفاداة به أولى.
وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في هؤلاء الناقضين تدل على جواز القتل والمن على أن يقيموا بدار الإسلام وأن يذهبوا إلى دار الحرب إذا كانت المصلحة في ذلك وفي ذلك حجة على من أوجب إعادتهم إلى الذمة وعلى من أوجب استرقاقهم.
فإن قيل: إنما أوجبنا إعادتهم إلى الذمة لأن خروجهم عن الذمة ومفارقتهم لجماعة المسلمين كخروجهم عن الإسلام ومفارقة جماعة المسلمين أو نقض الأمان كنقض الإيمان فإذا كان المرتد عن الإسلام لا يقبل منه ما يقبل من الكافر الأصلي بل إما الإسلام أو السيف فكذلك المرتد عن العهد لا يقبل منه ما يقبل من الحربي الأصلي بل إما الإسلام أو العهد وإلا فالسيف ولأنه قد صارت لهم حرمة العهد المتقدم فمنعت استرقاقهم كما منع استرقاق المرتد حرمة إسلامه المتقدم.
قلنا: المرتد بخروجه عن الدين الحق بعد دخوله فيه تغلظ كفره فلم يقر عليه بوجه من الوجوه فتحتم قتله إن لم يسلم عصمه للدين كما تحتم غيره من الحدود حفظا للفروج وغير ذلك ولم يجز استرقاقه لأن فيه إقرارا له