للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأما الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبوه ثم عفا عنهم فالجواب عن ذلك كله قد تقدم في المسألة الأولى لما ذكرنا قصصهم وبينا أن السب غلب فيه حق الرسول إذا علم فله أن يعفو وأن ينتقم وليس في هؤلاء ما يدل على أن العقوبة إنما سقطت عنهم مع عفوه وصفحه لمن تأمل أحوالهم معه والتفريق بينهم وبين من لم يهجه ولم يسبه.

وأيضا فهؤلاء كانوا محاربين والحربي لا يؤخذ بما أصابه من المسلمين من دم أو مال أو عرض والمسلم والمعاهد يؤخذ بذلك.

وقولهم: "الذمي يعتقد حل السب كما يعتقده الحربي وإن لم يعتقد حل الدم والمال" غلط فإن عقد الذمة منعهم من الطعن في ديننا وأوجب عليهم الكف عن أن يسبوا نبينا كما منعهم دماءنا وأموالنا وأبلغ فهو إن لم يعتقد تحريمه للدين فهو يعتقد تحريمه للعهد كاعتقادنا نحن في دمائهم وأموالهم وأعراضهم ونحن لم نعاهد على أن نكف عن سب دينهم الباطل وإظهار معايبهم بل عاهدناهم على أن يظهروا في دارنا ما شئنا وأن يلتزموا جريان أحكامنا عليهم وإلا فأين الصغار؟.

وأما قولهم: "الذمي إذا سب فإما أن يقتل لكفره وحرابه كما يقتل الحربي الساب أو يقتل حدا من الحدود" قلنا: هذا تقسيم منتشر بل يقتل لكفره وحرابه بعد الذمة وليس من حارب بعد الذمة بمنزلة الحربي الأصلي فإن الذمي إذا قتل مسلما اجتمع عليه أنه نقض العهد وأنه وجب عليه القود فلو عفا ولي الدم قتل لنقض العهد بهذا الفساد وكذلك سائر الأمور المضرة بالمسلمين يقتل بها الذمي إذا فعلها وليس حكمه فيها كحكم الحربي الأصلي إجماعا وإذا قتل لحرابه وفساده بعد العهد فهو حد من الحدود فلا تنافي بين الوصفين حتى يجعل أحدهما قسيما للآخر وقد بينا بالأدلة الواضحة أن قتله

<<  <   >  >>