للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

.....................................................................


= ومن حجتهم كذلك أنه لا يُعلم خلاف في أن مَن ترك الاستنشاق لا يعيد، وهذا دليل قوي؛ فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين إلا عن عطاء، وثبت عنه أنه رجع عن إيجاب الإعادة.
كما أنه لا حجة لمن ذهب إلى الوجوب في قوله: إنه لم يحكِ أحدٌ ممن وصف وضوءه صلى الله عليه وسلم على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق، فكما يقول العيني: فإنه يلزمه أن يقول بوجوب التسمية أيضًا؛ لأنه لم ينقل ترك التسمية فيه، ومع هذا فهو سنة أو مستحبة عن إمام هذا القائل.
٢- قد يستدل به مَن ذهب إلى أن مشروعية الاستنشاق لا تحصل بإيصال الماء إلى الخيشوم؛ بل بالانتثار عقبه؛ لأنه فائدة الاستنشاق، كما اشترط بعضهم مج الماء من الفم في حصول المضمضة.
٣- لم يُفرق في حديث أبي هريرة في الاستنشاق بين الصائم وغيره، وقد فرق بينهما في حديث لقيط بن صبرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا". رواه أصحاب السنن، وصححه الترمذي ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. وكذلك ذكر بعض أصحاب الشافعي أنه يكره للصائم المبالغة فيه، وأنه لو بالغ فوصل الماء إلى جوفه بَطَلَ صومه على الأصح؛ لأنه لم تشرع له المبالغة، بخلاف ما وصل مع عدم المبالغة، فإنه لا يضره. والله أعلم.
٤- وحكمة الاستنشاق كما ثبت في الصحيحين من رواية عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات؛ فإن الشيطان يبيت على خياشيمه"، فبيَّن سبب الأمر؛ وهو تطهير آثار الشيطان. وقد حكى القاضي عياض احتمالين: أنه محمول على الحقيقة أنه يبيت على الخياشيم جمع خيشوم؛ وهو أعلى الأنف، أو هو على الاستعارة؛ لأن ما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذارة توافق الشيطان. قال صاحب المفهم: وهذا على عادة العرب في نسبتهم المستخبَث والمستبشَع إلى الشيطان، كما قال تعالى: {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} ، ويحتمل أن يكون ذلك عبارة عن تكسيله عن القيام للصلاة؛ كما قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ... " الحديث.
هذا في النوم. أما في اليقظة فيكون لطرد الشيطان أي: تعرضه للمؤمن.
وذكر الخطابي حكمة أخرى فقال: وترى أن معظم ما جاء من الحث والتحريض على الاستنشاق في الوضوء، إنما جاء لما فيه من المعونة على القراءة وتنقية مجرى التنفس التي تكون به التلاوة، وبإزالة ما فيه من التفل تصح مخارج الحروف.
هذا، وقد ذكر بعضهم أن الحكمة في تقديم الاستنشاق والمضمضة وغسل الكفين على غسل الأعضاء الواجبة حتى يعرف المتوضئ بذلك أوصاف الماء الثلاثة؛ وهي: الرائحة والطعم واللون، هل هي متغيرة أو لا؟
وكما يقول الحافظ العراقي: هذا وإن كان محتملًا فإنه لا دليل عليه، والعلة المنصوصة في الاستنشاق أولى. والله تعالى أعلم.
"انظر: صحيفة همام بن منبه "ص٣٥٨-٣٦١" والمصادر بها".

<<  <   >  >>