للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

.....................................................................


= لملازمتها بالسكنى والصحبية ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها، فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها ليزول التعذيب.
قلت: وما أشار إليه ابن العربي في تأويل كلام مالك أولى، وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوى، والمراد بذلك حسم المادة وسد الذريعة؛ لئلا يوافق شيء من ذلك القدر فيعتقد مَن وقع له أن ذلك من العدوى أو من الطيرة، فيقع في اعتقاد ما نُهي عن اعتقاده، فأشير إلى اجتناب مثل ذلك.
والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار مثلًا أن يبادر إلى التحول منها؛ لأنه متى استمر فيها ربما حمله ذلك على اعتقاد صحة الطيرة والتشاؤم، وأما ما رواه أبو داود وصححه الحاكم من طريق إسحاق بن طلحة عن أنس قال رجل: يا رسول الله، إنا كنا في دار كثير فيها عددنا وأموالنا، فتحولنا إلى أخرى فقل فيها ذلك، فقال: "ذورها ذميمة".
وأخرج من حديث فروة بن مسيك بالمهملة مصغرًا ما يدل على أنه هو السائل، وله شاهد من حديث عبد الله بن شداد بن الهاد أحد كبار التابعين، وله رواية بإسناد صحيح إليه عند عبد الرزاق، قال ابن العربي ورواه مالك عن يحيى بن سعيد منقطعًا قال: والدار المذكورة في حديثه كانت دار مكمل -بضم الميم وسكون الكاف وكسر الميم بعدها لام- وهو ابن عوف أخو عبد الرحمن بن عوف، قال: وإنما أمرهم بالخروج منها لاعتقادهم أن ذلك منها، وليس كما ظنوا؛ لكن الخالق جل وعلا جعل ذلك وفقًا لظهور قضائه، وأمرهم بالخروج منها لئلا يقع لهم بعد ذلك شيء فيستمر اعتقادهم.
قال ابن العربي: وأفاد وصفها بكونها ذميمة جواز ذلك، وأن ذكرها بقبيح ما وقع فيها سائغ من غير أن يعتقد أن ذلك كان منها، ولا يمتنع ذم محل المكروه وإن كان ليس منه شرعًا كما يذم العاصي على معصيته وإن كان ذلك بقضاء الله تعالى.
وقال الخطابي: وهو استثناء من غير الجنس، ومعناه إبطال مذهب الجاهلية في التطير، فكأنه قال: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس يكره سيره فليفارقه. قال: وقيل: إن شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها، وشؤم المرأة ألا تلد، وشؤم الفرس ألا يغزى عليه.
وقيل: المعنى ما جاء بإسناد ضعيف رواه الدمياطي في الخيل: "إذا كان الفرس ضروبًا فهو مشئوم، وإذا حنت المرأة إلى بعلها الأول فهي مشئومة، إذا كانت الدار بعيدة من المسجد لا يسمع منها الأذان فهي مشئومة". وقيل: كان قوله ذلك في أول الأمر، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} الآية، حكاه ابن عبد البر، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، لا سيما مع إمكان الجمع، ولا سيما وقد ورد في نفس هذا الخبر نفي التطير ثم إثباته في الأشياء المذكورة.
وقيل: يحمل الشؤم على قلة الموافقة وسوء الطباع، وهو كحديث سعد بن أبي وقاص رفعه: "من سعادة المرء: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الهنيء. ومن شقاوة المرء: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء" أخرجه أحمد.
وهذا يختص ببعض أنواع الأجناس المذكورة دون بعض، وبه صرح ابن عبد البر فقال: يكون لقوم دون قوم، وذلك كله بقدر الله. وقال المهلب ما حاصله: إن المخاطب بقوله: "الشؤم في ثلاثة" من التزم التطير ولم يستطع صرفه عن نفسه، فقال لهم: إنما يقع ذلك في هذه الأشياء التي تلازم في غالب الأحوال، فإذا كانت كذلك فاتركوها عنكم ولا تعذبوا أنفسكم بها. ويدل على ذلك تصديره الحديث بنفي الطيرة. واستدل لذلك بما أخرجه =

<<  <   >  >>