للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا، وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا، وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: ١-٦] إلَى قَوْلِهِ: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا، وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: ٩، ١٠] .

فَلَمَّا سَمِعَتْ الجنُّ القرآنَ عَرفتْ أَنَّهَا إنَّمَا مُنعت مِنْ السَّمْعِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يُشْكل الوحيُ بِشَيْءٍ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَيَلْتَبِسُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مَا جَاءَهُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ، لِوُقُوعِ الحجَّة، وقطْع الشُّبْهة١. فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا، ثُمَّ: {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأحقاف: ٢٩، ٣٠] الآيات.

وَكَانَ قولُ الْجِنِّ: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: ٦] أَنَّهُ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ قُرَيْشٍ وغيرهم إذا سافر فنزل فيَ وادٍ مِنْ الْأَرْضِ ليبيتَ فِيهِ، قَالَ: إنِّي أعوذُ بعزيزِ هَذَا الْوَادِي مِنْ الجنِّ الليلةَ من شرِّ ما فيه.


١ الذي يظهر من كلامه أن القذف بالنجوم -وجد بظهور الإسلام، لكن القذف بالنجوم قد كان قديمًا، وذلك موجود في أشعار القدماء من الجاهلية. منهم: عوف بن الجزع، وأوس بن حجر، وبشر بن أبي حازم، وكلهم جاهلي، وقد وصفوا الرمي بالنجوم، وأبياتهم في ذلك مذكورة في مشكل ابن قتيبة في سورة الجن، وذكر عبد الرزَّاق في تفسيره عن معمر عن ابن شهاب أنه سُئل عن هذا الرمي بالنجوم: أكان في الجاهلية؟ قال: نعم، ولكنه إذا جاء الإسلام غلظ وشدد، وفي قول الله سبحانه: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن: ٨] ولم يقل: حُرست دليل على أنه قد كان منه شيء، فلما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا، وذلك لينحسم أمر الشياطين، وتخليطهم، ولتكون الآية أبين، والحجة أقطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>