للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَنَهَى عَنْ قَتْل الْمَوْءُودَةِ١، وَقَالَ: أعبدُ ربَّ إبْرَاهِيمَ، وبادَى قَوْمَهُ بعيْب مَا هُمْ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ أَسَمَاءَ بِنْتِ أَبِي بكر رضي


= الله عليه، وأن زيد بن عمرو بن نفيل كان يعيب على قريش ذبائحهم، ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء ماءً، وأنبت لها من الأرض الكلأ، ثم تذبحونها على غير اسم الله؟ إنكارًا لذلك، وإعظامًا له.
وفيه سؤال يقال: كيف وفق الله زيدًا إلى ترك أكل ما ذبح على النصب، وما لم يذكر اسم الله عليه، ورسول الله –عليه الصلاة والسلام– كان أولى بهذه الفضيلة في الجاهلية لما ثبت الله له؟ فالجواب من وجهين، أحدهما: أنه ليس في الحديث حين لقيه ببلدح، فقدمت إليه السفرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكل منها، وإنما في الحديث أن زيدًا قال حين قدمت السفرة: لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه. الجواب الثانى: أن زيدًا إنما فعل ذلك برأي رآه، لا بشرع متقدم، وإنما تقدم شرع إبراهيم بتحريم الميتة، لا بتحريم ما ذبح لغير الله، وإنما نزل تحريم ذلك في الإسلام. وبعض الأصوليين يقولون: الأشياء قبل ورود الشرع على الإباحة، فإن قلنا بهذا وقلنا: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم كان يأكل مما ذبح على النصب، فإنما فعل أمرًا مباحًا، وإن كان لا يأكل منها فلا إشكال، وإن قلنا أيضًا: إنها ليست على الإباحة، ولا على التحريم، وهو الصحيح، فالذبائح خاصة لها أصل في تحليل الشرع المتقدم كالشاة والبعير، ونحو ذلك، مما أحله الله تعالى في دين من كان قبلنا، ولم يقدم في ذلك التحليل المتقدم ما ابتدعوه، حتى جاء الإسلام، وأنزل الله سبحانه: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] ألا ترى كيف بقيت ذبائح أهل الكتاب عندنا على أصل التحليل بالشرع المتقدم، ولم يقدح في التحليل ما أحدثوه من الكفر، وعبادة الصلبان، فكذلك كان ما ذبحه أهل الأوثان محلا بالشرع المتقدم، حتى خصه القرآن بالتحريم.
١ وقد كان صعصعة بن معاوية جد الفرزدق -رحمه الله- يفعل مثل ذلك، ولما أسلم سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم: هل لي في ذلك من أجر؟ فقال في أصح الروايتين: "لك أجره إذا منَّ الله عليك بالإسلام". وهذا الحديث أخرجه البخاري، والموءودة مفعولة
من وأده إذا أثقله له. قال الفرزدق:
ومنا الذي منع الوائدا ... ت وأحيا الوئيد فلم يُوأد
يعني: جده صَعْصَعة بن معاوية بن ناجية بن عِقال ابن محمد بن سفيان بن مُجاشع.
وقد قيل: كانوا يفعلون ذلك غَيْرة على البنات، وما قاله الله في القرآن هو الحق من قوله: {خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: ٣١] وذكر النقاش في التفسير: أنهم كانوا يئدون من البنات، ما كان منهن زرقاء أو بَرْشاءَ أو شَيماءَ أو كشحاء تشاؤمًا منهم بهذه الصفات قال
الله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: ٨، ٩] .

<<  <  ج: ص:  >  >>