للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنْ فَتَحْتُ لَكَ بَابَ الحَضْر؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا أَمْسَى ساطِرون شَرِبَ حَتَّى سَكِرَ، وَكَانَ لَا يَبِيتُ إلَّا سَكْرَانَ، فَأَخَذَتْ مَفَاتِيحَ بَابِ الحَضْر مِنْ تحتِ رَأْسِهِ، فَبَعَثَتْ بِهَا مَعَ مولَى لَهَا فَفَتَحَ الْبَابَ، فَدَخَلَ سَابُورُ، فَقَتَلَ ساطِرون، واستباح الحَضْر وخرَّبه١، وسار بِهَا مَعَهُ فَتَزَوَّجَهَا؟ فَبَيْنَا هِيَ نَائِمَةٌ عَلَى فراشها ليلا إذا جَعَلَتْ تَتَمَلْمَلُ لَا تَنَامُ، فَدَعَا لَهَا بشمْع، فَفُتِّشَ فراشَها، فَوُجِدَ عَلَيْهِ وَرَقَةُ آسٍ؛ فَقَالَ لَهَا سَابُورُ: أَهَذَا الَّذِي أسهرَك؟! قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا كَانَ أَبُوكَ يَصْنَعُ بِكِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَفْرِشُ لِي الدِّيبَاجَ، وَيُلْبِسُنِي الحريرَ، وَيُطْعِمُنِي المخَّ، وَيَسْقِينِي الْخَمْرَ، قَالَ: أَفَكَانَ جزاءُ أَبِيكَ مَا صنعتِ بِهِ؟! أَنْتَ إليَّ بِذَلِكَ أسرعُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا، فرُبطت قُرُونُ رَأْسِهَا بذنَبِ فَرَسٍ، ثُمَّ رَكَضَ الْفَرَسُ، حَتَّى قَتَلَهَا٢، فَفِيهِ يقول أعشى بني قَيس بن ثَعْلبة:

قول أعشى قيس في قصة الحضر:

أَلَمْ ترَ للحَضْر إذْ أهلُه ... بنُعْمَى، وهَل خالدٌ مَنْ نعمْ

أقام به شاهبورُ الجنو ... دَ حولين تضرب فيه القُدُم٣


١ وقال المسعودى: دلته على نهر واسع كان يدخل منه الماء إلى الحَضر، فقطع لهم الماء، ودخلوا منه.
وقال الطبري: دلته على طلسم كان في الحَضر، وكان في علمهم أنه لا يفتح حتى تؤخذ حمامة ورقاء، وتخضب رجلاها بحيض جارية بكر زرقاء، ثم ترسل الحمامة، فتنزل على سور الحضر، فيقع الطلسم، فيفتح الحَضر.
٢ قال ابن إسحاق: المستبيح للحضر سابور ذو الأكتاف، وجعله غيره سابور بن أزدشير بن بابك، وقد تقدم أن أزدشير هو أول من جَمع ملك فارس، وأذل ملوك الطوائف، حتى دان الملك له، والضيزن: كان من ملوك الطوائف، فيبعد أن تكون هذه القصة لسابور ذي الأكتاف، وهو سابور هرمز، وهو ذو الأكتاف؛ لأنه كان بعد سابور الأكبر بدهر طويل، وبينهم ملوك مَسمون في كتب التاريخ، وهم: هرمز بن سابور، وبهرام بن هرمز، وبهرام بن بهرام، وبهرام الثالث، ونرسي بن بهرام، وبعده كان ابنه سابور ذو الأكتاف والله أعلم.
٣ شاهبور: معناه ابن الملك.

<<  <  ج: ص:  >  >>