للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إذا عرف هذا فمعلوم ما عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله والتوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسماوات، وكذلك التقرب إليهم بالنذور وذبح القربان، والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد، إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله، وصرف شيء من أنواع العبادة كصرفها جميعها.. وأخبر تعالى أن من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم، وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} ١ فلا يشفع عنده أحد إلا بأذنه.. قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} ٢ الآية.

والرسول محمد صلى الله عليه وسلم لا يشفع إلا بإذن الله، لا يشفع ابتداء بل يأتي فيخر ساجداً فيحمده بمحامد يعلمه إياها ثم يقال - ارفع رأسك وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع. ثم يحد لهم حداً فيدخلهم الجنة فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء؟! وهذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من علماء المسلمين. بل قد أجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على منهجهم. وقد حذر صلى الله عليه وسلم من حوادث الأمور، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتى الأوثان" ٣ وهو صلى الله عليه وسلم حمى جانب التوحيد أعظم حماية، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك، فنهى أن يجصص القبر أو يبنى عليه. ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القبب المبنية على القبور؛ لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم.

فهذا الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس، وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة، ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى:


١ سورة الزمر آية: ٤٤.
٢ سورة البقرة آية: ٢٥٥.
٣ الترمذي: الفتن (٢٢١٩) ، وأبو داود: الفتن والملاحم (٤٢٥٢) ، وأحمد (٥/٢٧٨) .

<<  <   >  >>