للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد قيل: نظير قائله ومعناه. موقع كل شعر منك أيها الممدوح كموقع قائله، فإن كان فاضلاً مقدماً فشعره مثله، وإن كان رذلاً فشعره كذلك، وكذلك عقل من يجيز عليه أو يقبله مثل عقل الشاعر الذي يقبل الجائزة عليه.

وقال أيضاً: يهجو علوياً عباسياً:

أماتكم من قبل موتكم الجهل ... وجركم من خفةٍ بكم النمل

يقول: إنكم من غلبة الجهل عليكم أموات وإن كنتم أحياء! ومن خفة أقداركم ومهانتكم يقدر أن يجركم النمل إلى حيث شاء.

وليد أبي الطيب الكلب مالكم ... فطنتم إلى الدعوى وما لكم عقل

وليد: تصغير ولد، ونصب على أنه منادى مضاف.

يقول: ليس لكم عقل، فكيف علمتم لؤم أصلكم، فرغبتم عنه وادعيتم إلى غير أبيكم!

ولو ضربتكم منجنيقي وأصلكم ... قوي لهدتكم فكيف ولا أصل؟!

المنجنيق: يذكر ويؤنث وقد أنث. والهد: الكسر.

يقول: لو كان لكم أصل قوي وتعرضت له لأفسدته وهديته، فكيف تثبتون لي وليس لكم أصل؟!

ولو كنتم ممن يدبر أمره ... لما كنتم نسل الذي ماله نسل

يقول: لو كان الأمر فيكم إلى أبيكم لم يرض أن تكونوا نسله؛ لأن من يكون نسله مثلكم فلا نسل له! غير أن الإنسان لا اختيار له في ولده.

وقيل: معناه لو كنتم ممن يحسن التدبير لما انتسبتم إلى من لا عقب له، بل كنتم تنتسبون إلى من كان له عقب.

وقال يمدح الحسين بن علي الهمذاني:

لقد حازني وجدٌ بمن حازه بعد ... فياليتني بعدٌ ويا ليته وجد

حازني: أي جمعني.

يقول: قد ملكني الوجد والحزن، بمن استولى عليه البعد، فيا ليتني البعد؛ لأكون معه، ويا ليته الوجد ليكون معي أبداً.

أسر بتجديد الهوى ذكر ما مضى ... وإن كان لا يبقى له الحجر الصلد

ذكر نصب بتجديد الهوى وهو مصدر جدد، والصلد: الصلب اليابس.

يقول: أنا أسر إذا جدد لي الشوق ذكر الشدائد التي سرت على في الهوى، وإن كان مما لا يطيق الحجر الصلد احتماله.

نسب ذكر ما مضى إلى تجديد الهوى؛ إذ لولا الهوى. ما تجدد.

سهادٌ أتانا منك في العين عندنا ... رقادٌ، وقلامٌ رعى سربكم ورد

القلام: نبت خبيث الرائحة. والسرب: الإبل.

يقول: إني أستلذ الألم فيما ينالني من أجلك! وأستحسن القبيح في حبك، فالسهر في عيني ألذ من النوم، والقلام إذا رعت إبلكم أطيب عندي من الورد! ومثله:

أحب لحبها السودان حتى ... أحب لحبها سود الكلاب

ممثلةٌ حتى كأن لم تفارقي ... وحتى كأن اليأس من وصلك الوعد

يقول: أنت مصورة في قلبي، حتى كأنك لم تفارقيني، وإن بعدت عني حتى كأن يأسي منك وعدٌ بلقائك.

وحتى تكادي تمسحين مدامعي ... ويعبق في ثوبي من ريحك الند

يقول: من قوة تمثلك في قلبي، أظن أنك عندي تمسحين مدامعي وتعانقيني فأجد في ثوبي رائحة الند من ريح ثوبك.

إذا غدرت حسناء أوفت بعهدها ... ومن عهدها ألا يدوم لها عهد

يقول: إن الحسناء تفي بعهدها، وعهده ألا يكون لها عهد! أي لا يكون لها لقاء، فغدرها إذاً يكون وفاء بعهدها! وقيل: معناه إن الحسناء إذا غدرت، وفت هي بعهدها؛ لأنها مخالفة لسائر النساء.

وقيل: أراد أن المرأة إنما عهدت على الغدر وبه جرت عادتها، فقد فعلت هي إذا غدرت بما جرت به عادتها، فإذا أوفت بعهدها، غدرت ووفت بعهدها؛ لأن عهدها ألا يدوم لها عهد ولا ود.

ومثله لأبي تمام:

فلا تحسبن هنداً لها الغدر وحدها ... سجية نفس كل غانيةٍ هند

وإن عشقت كانت أشد صبابةً ... وإن فركت فاذهب فما فركها قصد

القصد: الاقتصاد.

يقول: إن المرأة إذا عشقت، أو أبغضت أفرطت في الحالين فعشقها بمن يعشقها أشد، وبغضها إذا أبغضت أشد، لا اقتصاد لها في ذلك. وقوله: فاذهب إشارة إلى أنه ليس يجب أن يعتمد عليهن في حال من الأحوال.

وإن حقدت لم يبق في قلبها رضاً ... وإن رضيت لم يبق في قلبها حقد

وهذا تأكيد لما مضى من نفي الاقتصاد أيضاً.

كذلك أخلاق النساء وربما ... يضل بها الهادي ويخفى بها الرشد

الهاء في بها وبها للنساء.

يقول: إن أخلاق النساء على ما وصفته لك، ولكن العاقل ربما ضل عقله بحبهن، وخفي عليه رشده، فيغلب هواهن رأيه.

ولكن حباً خامر القلب في الصبا ... يزيد على مر الزمان ويشتد

<<  <   >  >>