للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يقول: إنما أبادك يا مال؛ لأنك ربما حسنت عنده الإمساك، وشغلته بالعدو عن الجود، وأكثرت جيش عدوه بالاستعانة بك.

حملت إليه من لساني حديقةً ... سقاها الحجي سقى الرياض السحائب

شبه قصيدته بالحديقة، لأنها تجمع بديع المعاني، وغرائب الألفاظ، كما تجمع الحديقة من الأثمار والأنوار.

وتقدير البيت: سقى السحائب الرياض حر السحائب، بإضافة السقي إليها، وفصل بين المضاف والمضاف إليه.

يقول: حملت إليه حديقةً من المدح، سقاها العقل، كما يسقي السحاب الروض؛ وذلك لأنه بالعقل يرتب مثل هذا الترتيب وبه يستخرج مثل هذه المعاني.

فحييت خير ابنٍ لخير أبٍ بها ... لأشرف بيتٍ من لؤي بن غالب

خير: نصب على المنادى المضاف، أو على الحال، وروى: فحييت أي حييت أنا خير ابن. فنصبه على المفعول به. والضمير في بها: قيل: للحديقة التي هي القصيدة، أي حييت بهذه القصيدة خير ابن، وقيل: الضمير للأرض، وإن لم يجر لها ذكر: أي خير ابن لخير أب بهذه الأرض.

يقول: حييت بهذه القصيدة خير ابنٍ، أبوه خير أبٍ، وبيته لي لؤي بن غالبٍ، أشرف بيت؛ لأنه من ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد أفضل منه، فكأنه قال: هو أشرف الناس.

وكانت لأبي الطيب حجرة تسمى الحمامة، ولها مهر يسمى الطخرور. فأقام الثلج على الأرض بأنطاكية، وتعذر الرعي على المهر فقال يصف تأخر الكلأ عنه:

ما للمروج الخضر والحدائق

يشكو خلاها كثرة العوائق

المروج: جمع مرج، وهو كل موضع لا ينقطع عنه العشب والماء. والحدائق: جمع حديقة، وهي البستان ذو الحائط. والخلا: النبات الرطب، وهو فاعل يشكو ومفعوله كثرة. والعوائق: جمع عائق وهي الموانع.

يقول: أي شيء للمراعي والبساتين؟! فإن نباتها يشكو الموانع.

أقام فيها الثلج كالمرافق

يعقد فوق السن ريق الباصق

يقول: قد لازم هذه المروج والحدائق الثلج ملازمة المرافق لرفيقه، فاشتد البرد وعقد الثلج ببرودته ريق الباصق فوق سنه يجمده. يعني: لو أراد الإنسان أن يبصق ما أمكنه! بل وجد بصاقه معقوداً فوق سنه.

ثم مضى لا عاد من مفارق

بقائدس من ذوبه وسائق

يقول: أقام الثلج فيها مدة ثم مضى، فلا رده الله من مفارق، وجعل لذوبانه قائداً وسائقاً. على سبيل الاستعارة.

يعني: من سرعة ذهابه بعد إقامته مدة كأن قائداً يقوده وسائقاً يسوقه؛ لأن السائق والقائد إذا اجتمعا كان أبلغ في ذهابه، وجعل ابتداء الذوب قائداً وانتهاءه سائقاً وقيل القائد المطر، والسائق الريح.

كأنما الطخرور باغي آبق

يأكل من نبتٍ قصيرٍ لاصق

الطخرور: اسم مهر لأبي الطيب، كان ينتقل من مكان إلى مكان في طلب العشب، فهو يأكل من نبت قصير لاصق بالأرض.

كقشرك الحبر من المهارق

أروده منه بكالسوذانق

المهارق: جمع المهرق، وهو الصحيفة المصقولة، وهو فارسي معرب. أصله: مهرة كردة. والسوذانق: الشاهين. وقيل: الصقر. وقوله أروده: أي أطلبه. وقيل: أراد أرود فيه: أي أذهب وأجيء في طلبه، والهاء: للنبت وفي منه للمهر. والكاف: اسم. أي بمثل السوذانق يقول: كأن المهر حين يرعى يقشر حبراً من قرطاس، وأنا أطلب هذا النبت من هذا المهر بمهر يشبه السوذانق في حدته وذكائه وفطنته ومضائه.

بمطلق اليمنى طويل الفائق

عبل الشوى مقارب المرافق

مطلق اليمنى: أي ليس في يده اليمنى بياض. وقيل: يمناه بيضاء. والفائق: موصل الرأس والعنق، وإذا طال ذلك الموضع طالت عنقه. والعبل: الضخم. والشوى: القوائم. وقوله: مقارب المرافق: أي مرافقة متقاربة. وقيل: إحدى المرفقين تداني الأخرى. وقيل تشبه إحداهما الأخرى.

رخو اللبان نائه الطرائق

ذي منخرٍ رحبٍ وإطلٍ لاحق

اللبان: الصدر.

يقول: إن جلد صدره قد استرخى على صدره، وهو محمود في الخيل. ونائه: روى بالهمزة وهو العالي، من ناه نوها، ونوهته أنا: أي رفعته. وروى بالباء: وهو الشريف من قولهم: نبيه. والطرائق: الأخلاق. ويستحب في المنخر السعة؛ لئلا يحتبس النفس. والإطل: الخاصرة. ولاحق: أي ضامر.

محجلٍ نهدٍ كميتٍ زاهقٍ

شادخةٍ غرته كالشارق

<<  <   >  >>