للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يعرض بقوم خذلوه ذلك الوقت فيقول: إذا كان يوم شرب ومنادمة شاركوه في الأكل والشرب ولا يشاركونه في القتال والدفاع! ومثله قول الآخر:

يفر عن الكتيبة حين يلقى ... ويثبت عند قائمة الخوان

ومن قبل النطاح وقبل يأتي ... تبين لك النعاج من الكباش

روى: يأنى أي يحين من قولهم: أنى يأنى، وروى يأتى أي يجيء. والنطاح. أصله ضرب الكباش بالقرون، ثم استعمل في كل محاربة.

المعنى: أن الشجاع يعرف من الجبان قبل المحاربة وقبل وقتها فجعل الكباش مثلاً للشجعان والنعاج مثلاً للأراذل والجبناء.

فيا بحر البحور ولا أوري ... ويا ملك الملوك ولا أحاشي

لا أوري: أي لا استر قولي لك يا بحر البحور، هذا ولا أحاشى أي لا أستنثي أحد من قولي لك يا ملك الملوك.

قال ابن جنى: وربما كان ينشد المتنبي ويا بدر البدور مكان قوله يا ملك الملوك.

كأنك ناظرٌ في كل قلبٍ ... فما يخفى عليك محل غاش

الغاشي: القاصد، يقال: غشيه يغشاه إذا قصده.

يقول: أنت عارف بمن يقصدك، ولا يخفى عليك محله، فتنزل كلاً منزلته الذي يستحقها، فكأنك مطلع على أسرار القلوب.

وقيل: أراد بالغاشي من الغش فخفف. والأول أولى أي من نزل بك فلا يخفى عليك محله.

أأصبر عنك لم تبخل بشيءٍ ... ولم تقبل علي كلام واش؟

كان قد وشى بالمتنبي بعض من يعاديه إلى أبي العشائر، فلم يسمع منه وأنفذ عقيب هذه الوشاية إليه مالاً فهذا هو المراد بالبيت.

وكيف وأنت في الرؤساء عندي ... عتيق الطير ما بين الخشاش

عتاق الطير: كرامها. والخشاش: صغارها.

يقول: كيف أصبر عنك وأنت بين الرؤساء في الفضل، كالبازي بين صغار الطير.

فما خاشيك للتكذيب راجٍ ... ولا راجيك للتخييب خاش

يقول: إن من يخافك حل به بأسك ووقع به سخطك، فلا يرجو تكذيباً لما يخافه، ومن يرجوك لا يخاف أن يكذب رجاؤه، فأنت تصدق ظن من يخافك ويرجوك.

وقيل معناه: ليس يرجو من يخشاك أن يلقى من يكذبه ويخطئه في خوفه، لأن الناس كلهم يخافون منك

تطاعن كل خيلٍ سرت فيها ... ولو كانوا النبيط على الجحاش

النبيط: أهل السواد بالعراق. وقيل أراد به: العجم.

يقول: كل خيل سرت فيها وبينها كانت الغلبة لهم، ولو كانوا نبطاً على حميرهم؛ لأنهم يشجعون بك ويصيرون أفرس الناس وأطعنهم. والجحاش: جمع جحش وهو ولد الحمار.

أرى الناس الظلام وأنت نورٌ ... وإني فيهم لإليك عاش

العاشي: القاصد ليلاً.

يقول: الناس كالظلام في الليل، وأنت فيما بينهم كالنور، وأنا ناظر بين الناس إليك، وقاصد نحوك مستضيء بنورك. والأصل فيه قول الخنساء:

وإن صخراً لتأتم الهداة به ... كأنه علمٌ في رأسه نار

بليت بهم بلاء الورد يلقى ... أنوفاً هن أولى بالخشاش

الخشاش: الخشبة التي تكون في أنف البعير، فإن كانت من شعر قيل له: خزام، وإن كانت من ضفرٍ فهو: برة. والضمير في بهم للناس.

يقول: تأذيت بهؤلاء الناس الذين لا يشاكلونني، كما يتأذى الورد من شمه، بأنوف الذين هم بمنزلة البهائم! وقيل معناه: إني أتأذى بهم كما يتأذى الورد بأنوف الإبل، وروى بالحشاش وهي الكنف.

عليك إذا هزلت مع الليالي ... وحولك حين تسمن في هراش

الهراش والتهاريش: هو مخاصمة الكلاب.

يقول: هؤلاء الناس عليك مع الليالي، أي صاروا لأعدائك مع الزمان وحوادثه، إذا هزلت: أي أصابتك نوائب الدهر. ويصيرون حولك ومعك حين تسمن. أي إذا ساعدك الزمان كانوا معك يهارش بعضهم بعضاً في طلب النفع منك. ومثله لإبراهيم بن العباس:

وكنت أخي بإخاء الزمان ... فلما انثنى صرت حرباً عوانا

وكنت أعدك للنائبات ... فها أنا أطلب منك الأمانا

والمقصود وصفهم بدناءة الأصل.

أتى خبر الأمير فقيل كروا ... فقلت نعم ولو لحقوا بشاش

وروى: أجل والشاش: بلدة بالترك. وروى: كروا بفتح الكاف وهي رواية ابن جنى.

والمعنى: بلغنا خبر الأمير وهزيمة الخيل منه. وقيل لنا: كروا عليهم. أي عطف الأمير وأصحابه على الخيل فقلت: نعم ولو أنهم لحقوا في الهزيمة بشاش، لوثقت بعودته وكره عليهم.

<<  <   >  >>