للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وروى كروا على الأمير. والمعنى: أتى خبر الأمير بظفره بالعدو فقيل لنا يا معاشر أصحابه اللائذين به كروا فقلت نعم ولو كانوا بشاش. أي لو كان البعد بيننا وبين الأمير مثل ذلك للحقنا به، وقوله بعد ذلك وأسرجت الكميت يدل عليه.

يقودهم إلى الهيجا لجوجٌ ... يسن قتاله والكر ناش

اللجوج: المتمادي في الشيء، الذي لا ينثني عنه، ويبالغ فيه. ويسن: أي يبالغ فيه، حتى يعظم ويكبر من المسن والمسنة. وناش: أي ناشىء، أي في أوله: يقول: يقود العسكر إلى الحرب. لجوج: أي مبالغ في الحرب، ليسن قتاله: أي يصير إلى آخر القتال، ومع ذلك فإن كره لا يصير إلى آخره، بل ينشأ شيئاً فشيئاً يعني أن قتاله قد بلغ الغاية، وكر في أول حاله كالغلام الناشىء.

وأسرجت الكميت فناقتل بي ... على إعقاقها وعلى غشاش

الكميت: يستعمل في الذكر والأنثى، وناقلت بي: أي أسرعت. وقيل: أدامت السير. وقيل المناقلة: أي تضع رجلها مكان يدها، وإنما تفعل ذلك في الأرض الكثيرة الأحجار. والإعقاق: مصدر أعقت الدابة. إذا عظم بطنها من الحمل. وقيل: إذا نبت شعر الجنين الذي في بطنها. والغشاش: العجلة.

يقول: لما أتاني خبره، أسرجت فرسي وركبتها على سرعة، وهي عقوق ولم أشفق عليها.

من المتمردات أذب عنها ... برمحي كل طائرة الرشاش

يعني: أن الكميت من الخيل المتمردات التي لا تبالي بشيء، ولا يقدر على الوصول إليها لسرعتها وخبثها وذلك من قوله تعالى: " شيطانٍ مارد ".

يقول: إنها من الخيل المتمردات، وإني أدفع عنها برمحي، كل دم رشاش. أي أني أذب عنه بنفسي ورماحي كل من يريد عقرها، وأدفع عنها كل طائرة الرشاش: أي كل دم ينط عند الطعن ويرش وينتضح.

ولو عقرت لبلغني إليه ... حديثٌ عنه يحمل كل ماش

يقول: لو عقرت هذه الفرس تحتي، لبلغني إليه حسن الحديث الذي أسمعه عنه، وهذا الحديث يحملني إليه لأنه يحمل كل ماش وإن لم يكن له فرس.

إذا ذكرت مواقفه لحافٍ ... وشيك فما ينكس لانتقاش

شيك: أي إذا دخل في رجله شوك والتنكس: هو تنكيس الرأس. لإخراج الشوك من الرجل، والانتقاش: إخراج الشوك. ومنه: المنقاش ومعناه: إذا ذكرت مواقفه في الحروب للحافي: الذي لا حذاء له، وشيك في رجله، فإنه لا ينكس رأسه لإخراج الشوكة من رجله، لما داخله من الخوف والتحير، إذا سمع ذلك تاق ورغب في صحبته فأسرع إليه ولم يلو على شيء، كما فعلت.

وقيل: إذا ذكرت مواقفه في السخاء للإنسان وكان حاف، ودخل الشوك في رجله فإنه لا ينكس رأسه إلى أسفل لاستخراج الشوكة من رجله بل يسرع إليه، لما تقو الدواعي في الاحتياج إليه. هذا تفسير أبي الفتح.

وقيل: إن أحاديثه الحسنة تؤدي سامعها أنه إذا أصابت رجلهشوكة لم يشعر بها فلا يقطع الحديث لحسنه، ولا ينكس رأسه لإخراجها.

يزيل مخافة المصبور عنه ... ويلهي ذا الفياش عن الفياش

الفياش: المفاخرة، وأكثره في الباطل. روى ابن جنى قال: تلهى بمعنى تزيل على الخطاب للمدوح. وقيل: إن التاء راجع إلى المواقف، أي إن المواقف تزيل وتلهى.

يقول على الخطاب: إنك تزيل مخافة المحبوس بأن تخلصه من الأسر والحبس، وتنسي صاحب الفخر فخره؛ لأنه إذا نظر في أوصافك علم بقصوره عنك فيمتنع عن الفخار.

وعلى الخبر عن المواقف يقول: إذا سمع مواقفه: من جنس القتل وغيره، أنساه ذكرها وحسنها ما هو فيه من الخوف، فإذا سمع مفاخرة أنساه ذكر مفاخرته.

وما وجد اشتياقٌ كاشتياقي ... ولا عرف انكماشٌ كانكماشي

يقول: كل أحد يشتاق إلى لقائك، وينكمش نحوك. ولكن ليس لأحد شوق مثل شوقي إلى لقائك ولا اجتهاد لأحد، مثل اجتهادي في المسير إليك.

فسرت إليك في طلب المعالي ... وسار سواي في طلب المعاش

يقول: إنما قصدتك لأبلغ المنازل الرفيعة والمراتب السنية، وقصدك غيري لطلب المعاش، واقتناء الرياش، فلهذا صار شوقي أكثر وانكماشي أقدر.

وخرج أبو العشائر يوماً يتصيد، وخرج أبو الطيب معه، فأرسل بازياً على حجلة فأخذها فقال أبو الطيب يصف ذلك:

وطائرةٍ تتبعها المنايا ... على آثارها زجل الجناح

تتبعها: أي تتبعها، فحذف إحدى التاءين. والزجل: الصوت.

يقول: رب قبجةٍ رائشها يطير، وخلفها بازٍ يريد صيدها، فكأن المنايا تطلبها.

<<  <   >  >>