للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كأن الريش منه في سهامٍ ... على جسدٍ تجسم من رياح

الهاء في منه لزجل الجناح. وهو البازي، شبه ريشه بريش السهام؛ للسرعة، فيكون ريشه في نفس السهام، والسهام ظرف له.

ومعناه: كأن ريشه سهام على جسم يكون من ريح، لأن الريش سبب لقتل الطائر، كما أن السهام سبب للقتل.

وقيل في بمعنى على أي كأن ريشه على سهام كانت بهذه الصفة.

كأن رءوس أقلامٍ غلاظاً ... مسخن بريش جوجئه الصحاح

غلاظاً: نصب لأنه صفة لرءوس والصحاح: بمعنى الصحيح. وروى بالكسر: وهو جمع الريش. وقد يكون واحداً وجمعاً. والصحاح: نعت للريش. شبه السواد الذي في صدر الباز بآثار مسح رءوس الأقلام الغلاظ، وهو تشبيه مصيب. ويجوز أن يكون الصحاح بالفتح: صفة الجؤجؤ.

فأقعصها بحجنٍ تحت صفرٍ ... لها فعل الأسنة والرماح

يقال: طعنه فأقعصه. إذا قتله مكانه، بحجنٍ: أي بمخالب معقفة، وهو جمع أحجن. وتحت صفر: وهي أصابعه ورجله.

يقول: قتلها البازي بمخالبه أي أظفاره التي تحت أصابعه، وهذه المخالب لها فعل الأسنة والرماح. وهو القتل؛ لحدتها.

فقلت: لكل حيٍّ يوم سوءٍ ... وإن حرص النفوس على الفلاح

الفلاح: البقاء. وقيل الفلاح: الظفر بالخير.

يقول: كل حيٍّ لابد له من يوم سوء، يوافيه أجله فيه وإن حرص الناس على البقاء، فلا سبيل لهم إليه.

فقال له أبو العشائر أفي هذه الساعة قلت هذا؟! فقال مجيباً له على تعجب أبي العشائر لسرعة بديهته:

أتنكر ما نطقت به بديهاً ... وليس بمنكرٍ سبق الجواد؟!

بديهاً: مصدر في موضع الحال. يقول: لا تنكر بديهتي ولا تستبعد ارتجالي الأشعار، وأنا في ذلك بمنزلة الجواد، فإنه لا يستنكر منه سبق سائر الخيل.

أراكض معوصات القول قسراً ... فأقتلها وغيري في الطراد

أراكض: أي أسابق، وأجاري. والمعوص والعواص: الصعب.

يقول: إذا حاولت معنىً عويصاً من الشعر فرغت منه، وغيري بعد في التفكير.

ودخل عليه وعنده إنسان ينشده شعراً وصف به بركةً في داره فقال يمدح أبا العشائر:

لئن كان أحسن في وصفها ... لقد ترك الحسن في الوصف لك

يقول: إن كان قد أحسن في وصف هذه البركة، فقد ترك الحسن في وصفك وهو أولى من وصف البركة وأجمل.

لأنك بحرٌ وإن البحار ... لتأنف من حال هذي البرك

يقول: أنت بحر، والبحار تأنف من ماء هذه البركة. وهذا الوصف الذي وصفه، وهذه الأوصاف، دون الأوصاف التي أنت عليها.

كأنك سيفك لا ما ملك ... ت يبقى لديك ولا ما ملك

يقول: أنت مثل سيفك، إذا ملكت مالاً فرقته وأفنيته، والسيف إذا ملك مهجة أسالها وأفناها، فتبذل أنت ما ملكت، وتقتل بسيفك من وصل إليه.

فأكثر من جريها ما وهبت ... وأكثر من مائها ما سفك

الهاء في جريها ومائها للبرك. يقول: هباتك أكثر من مائها الجاري والدماء التي يسفكها سيفك أكثر مما فيها من الماء.

أسأت وأحسنت عن قدرةٍ ... ودرت على الناس دور الفلك

يقول: أسأت إلى أعدائك، وأحسنت إلى أوليائك، باختيار منك وقدرة، وأنت الدائر على الناس بالخير والشر، والإساءة والإحسان، والسعد والنحس، دور الفلك الدوار، إلا أنه لا اختيار له ولا قدرة، وأنت تفعل ما تفعله عن قدرة واختيار، فأنت الفلك الدائر في الحقيقة، وأنت أفضل منه للوجه المذكور.

وقال يمدحه ويذم قوماً من المتكسبة بالشعر:

لا تحسبوا ربعكم ولا طلله ... أول حيٍّ فراقكم قتله

الربع: المنزل، وجعل العمارة حياة له فسماه حياً، لأن أضاف أول إليه، وجعل التفصيل مضافاً إليه ما هو بعض منه. وجعله قتلاً له على المجاز.

يقول لأحبابه لما فارقهم: ليس هذا الربع بأول هالك بسبب فراقكم، بل قد تلف منزلكم وعفا رسمه، ودرس أثره، فكأن فراقكم قتله، وهذا الربع ليس بأول حي قتله فراقكم. وقد بين ذلك فيما بعده بقوله:

قد تلفت قبله النفوس بكم ... وأكثرت في هواكم العذله

الهاء في قبله للربع. يقول: ليس هذا الربع بأول كثير العذل بسبب فراقكم، وقد أكثر العذل في حبكم، فلم يكف أحد من العشاق عن هواكم، لأجل عذل العذال. والعذلة: جمع عاذل.

خلا وفيه أهلٌ وأوحشنا ... وفيه صرمٌ مروحٌ إبله

<<  <   >  >>