للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حكى ابن جني عنه قال: أردت أن أقول: ضايقة الزمان، فزدت اللام فقلت: ضايق الزمان له. قال ابن جني: ومثله قوله تعالى: عسى أن يكون ردف لكم أي ردفكم؛ وخان: تعدى إلى مفعولين: أحدهما الهاء في خانته والثاني قربك وفاعله: الأيام. والهاء في له وخانته راجعة إلى من.

يقول: إن الزمان ضايقنا فيك، وحسدنا على قربك، فخانتنا الأيام في قربك، وفرقت بيننا وبينك.

في سبيل العلا قتالك والسّل ... م وهذا المقام والإجذام

الإجذام: سرعة السير، وأصفه قطع الأرض بالأسفار.

يقول: كل ما تفعله من قتال وسلم، وإقامة وترحال، يشيد مجدك ويرفع قدرك، فتنال معال مع معاليك.

ليت أنّا إذا ارتحلت لك الخيل ... وأنّا إذا نزلت الخيام

الخيمة في الأصل: بيت يتخذ في الصيف من الخشب، وأغصان الشجر، ثم استعمل في المضارب وبيوت الشعر مجازاً.

يقول: ليتنا كنا خيلك عند ارتحالك، وخيامك عند نزولك، حتى لا نفارقك. وقيل: أراد ليتنا نقيك الأذى من فوق: من الحر والبرد، ومن أسفل: من الخشونة والتعب.

كلّ يومٍ لك احتمالٌ جديدٌ ... ومسيرٌ للمجد فيه مقام

الاحتمال: الرحيل.

يقول: كل يوم تسافر، فالمسير لك مقام المجد والعز. يعني: أنك دائم السعي فيما فيه مجدك.

وإذا كانت النّفوس كباراً ... تعبت في مرادها الأجسام

أراد بالنفوس: الأرواح والهمم.

يقول: إذا كان الإنسان كبير النفس عالي الهمة طلبت همته الأمور العالية، فأتعبت أجسامها في مرادها.

وكذا تطلع البدور علينا ... وكذا تفلق البحور العظام

يقول: كل رفيع القدر عالي الهمة، لا تدعه همته أن يستقر، كما أن البدر يطلع ولا يفتر عن المسير، وكذلك البحار العظام، لا يسكن موجها وعباؤها.

ولنا عادة الجميل من الصّب ... ر لوانّا سوى نواك نسام

نسام: أن نكلف.

يقول: من عادتنا الصبر الجميل على جور الزمان، ولكنا لا نقدر أن نصبر على فراقك والبعد عنك

كلّ عيشٍ ما لم تطبه حمامٌ ... كلّ شمسٍ ما لم تكنها ظلام

يقول: إذا لم يطب العيش بقربك، فهو من جملة الموت، وكل شمس سواك فهي ظلام، فطيب عيشنا بقربك، ونور أبصارنا برؤيتك.

أزل الوحشة الّتي عندنا يا ... من به يأنس الخميس اللهام

الوحشة: انزعاج النفس من الوحدة. والخميس: العسكر الكثير. واللهام: العظيم الذي يلهم كل شيء فيبتلعه ويهلكه.

يقول: أزل عنا الوحشة التي نجدها لفراقك، بالمقام علينا. يا من يأنس به الخميس العظيم ويجتمع عيه، وإذا غاب وجد على نفسه.

والّذي يشهد الوغى ساكن القل ... ب كأنّ القتال فيها ذمام

الوغى: الحرب. والهاء في فيها ضمير لقوله: الوغى لأنه في معنى الحرب وهي مؤنثة.

يقول: أزل عنا الوحشة يا أيها الرجل الذي يحضر الحرب، وهو ساكن القلب، حتى كأن القتال - الذي يكون في الحرب - عهد وأمان.

والّذي يضرب الكتائب حتّى ... تتلاقى الفهاق والأقدام

الفهاق: جمع فهقة، وهي موصل الرأس في العنق، وقيل: هي عظم عند حالق الرأس، مشرف على اللهاة.

يقول: إنك تقطع رقاب الفرسان حتى تقع رءوسهم على أقدامهم. وقيل: إنه يقطع الأعضاء حتى يصير الأسفل أعلى والأعلى أسفل. حتى يلتقي طرفا الجسم على ما بعد بينهما.

وإذا حلّ ساعةً بمكانٍ ... فأذاه على الزّمان حرام

الهاء في أذاه تعود إلى المكان.

يقول: إذا نزلت بمكان فلا يؤذى الزمان ذلك المكان، فكأن أذاه على الزمان حرام.

والّذي تنبت البلاد سرورٌ ... والّذي يمطر السّحاب، مدام

يقول: إن الممدوح إذا حل بمكان، فالذي تنبته أرضها إنما هو السرور، والذي يمطر سحابها إنما هو الخمر. يعني: أنه إذا نزل بمكان أحسن إلى أهله، وبسط العدل فيهم، فاتصل سرورهم، وأمنت نفوسهم.

ولما جعل نبات أرضهم سروراً، جعل مطر سحابهم مداماً؛ لأن المدام تولد السرور، كما أن الغيث يولد العشب، والذي مبتدأ وسرور خبره وتنبت صلته، وفاعله: البلاد. وكذلك الكلام في المصراع الثاني.

كلّما قيل قد تناهى أرانا ... كرماً ما اهتدت إليه الكرام

يقول: كرمه لا نهاية له، فكلما قيل إنه قد بلغ الغاية في الكرم ابتدع كرماً ثانياً، لا يهتدى الكرام إليه، ولا يبلغ خاطرهم إلى بعضه

<<  <   >  >>