وكفاحاً تكعّ عنه الأعادي ... وارتياحاً يحار فيه الأنام
الكفاح: مباشرة الحرب. يقال لقيته كفاحاً: أي مواجهة. تكع: أي تجبن وتتأخر. وكفاحاً: نصب عطفاً على قوله: أرانا أي أرانا كرما وكفاحاً وارتياحاً.
يقول: أرانا شجاعة تعجز عنها أعداؤه، وجوداً يتحير الخلق فيه.
إنّما هيبة المؤمّل سيف الدّو ... لة الملك في القلوب، حسام
يقول: يهابونه وليس هو سيفا! بل هيبته في القلوب سيف قاطع، حتى لا أحد يعدل عن طاعته.
فكثيرٌ من الشّجاع التوقّي ... وكثيرٌ من البليغ السّلام
يقول: إن هيبته قد همت الناس، والشجاع الفاتك إذا تحرز منه، فذاك غاية الشجاعة. والخطيب المصقع يستكثر أن يسلم عليه، فضلاً عن أن يبسط في الكلام معه. ومثله للفرزدق:
يغضى حياءً ويغضى من مهابته ... فما يكلّم إلاّ حين يبتسم
وقال أيضاً عند مسيره عنها وقد نزل المطر في ذلك اليوم.
رويدك أيّها الملك الجليل ... تأىّ وعدّه ممّا تنيل
رويدك: أي أمهل، وهو اسم للفعل، ولا موضع للكاف.
الإعراب: تأىّ أي توقف وهو بدل من رويدك وإن شئت جعلته توكيداً، كأنه قال: رويدك رويدك فكرر المعنى، وخالف بين اللفظين، وروى: تأن أي توقف وتثبت. والهاء في عده ضمير للمصدر، وجل عليه قوله: تأي.
يقول: أمهل أيها الملك الجليل، وتوقف وعد وقوفك علينا من بعض صلاتك ونعمك.
وجودك بالمقام ولو قليلا ... فما فيما تجود به قليل
وجودك: نصب على تقدير: جد جودك، فهو مصدر في موضع الأمر كقوله تعالى: فضرب الرقاب وكذلك قليلا أي ولو فعلته وجدته، فهو صفة لموصوف محذوف. ويجوز نصبه على الحال. ويجوز أن يكون صفة لظرف محذوف. أي ولو زماناً قليلا.
يقول: جد علينا بالمقام ولو زماناً قليلا، ثم احترز وقال: كل ما تجود به ليس بقليل؛ لأن لنا فيه نفعاً كثيراً.
لأكبت حاسداً وأرى عدوّا ... كأنّهما وداعك والرّحيل
الكبت: القهر، والإذلال. وأرى: من الورى، وهو داء الجوف. وقيل: معناه أضرب رئته من قولهم: وريته أريه. كما تقول: رأيته.
يقول: جد علينا بالمقام؛ لأكبت بذلك حاسدي، وأمرض عدوي؛ لأنهما بغيضان عندي، مثل وداعك وارتحالك.
ويهدأ ذا السّحاب فقد شككنا ... أتغلب أم حياه لكم قبيل؟
ويهدأ عطف على ما تقدم: أي يسكن. وتغلب رفع بالابتداء، وقبيل خبره. وقيل تغلب خبر ابتداء محذوف.
يقول: أقم علينا حتى يسكن مطر هذا السحاب، فإنا قد تشككنا في أمر هذا المطر، فلا ندري أنه مطر، أم قبيلك؟ التي هي بنو تغلب. يعني: أن جود هذا المطر يشبه جود بني تغلب، أي كثرة هذا المطر يشبه كثرتهم. والحيا: مقصور، المطر العام.
وكنت أعيب عذلاً في سماح ... فها أنا في السّماح له عذول
له قيل: تعود الهاء إلى المطر. ومعناه: أني كنت أعيب كل من يعذل على السماح، فلما كثر هذا المطر صرت أعذله على كثرة سماحه. وقيل: إن الهاء تعود إلى سيف الدولة يعني: أني أعذل سيف الدولة على كثرة سخائه بعد ما كنت أعيب من يعذل السخي على سخائه.
وما أخشى نبوّك عن طريقٍ ... وسيف الدّولة الماضي الصّقيل
سيف الدولة مبتدأ. والماضي خبره. وهذه الجملة في موضع نصب على الحال. والكاف في قوله نبوك قيل: خطاب لسيف الدولة.
ومعناه: لم أقل لك أقم، حتى يهدأ هذا السحاب، لأنه يعوقك عن طريقك، لأني لا أخشى نبوك: أي كلالك وتقاعدك عن طريق تريد أن تسير فيه، وأنت سيف الدولة، وسيف الدولة لا يكون إلا ماضياً صقيلاً، لا ينبو عن شيء.
وقيل: إنه خطاب للسحاب. ومعناه: لا أخشى انقطاعك عنا أيها السحاب وفقدنا إياك في طريق نسلكه، إذا كان سيف الدولة ماضياً صقيلاً، لأنه ينوب عنك ويزيد عليك.
وكلّ شواة غطريفٍ تمنّى ... لسيرك أنّ مفرقها السّبيل
الشواة: جلدة الرأس. والغطريف: السيد. ومفرق الرأس: حيث يتفرق الشعر. وتمنى: الأصل فيه تتمنى، فحذف إحدى التاءين.
يقول: إذا ارتحلت فكل سيد يتمنى رأسه: أي مفرقه، طريقاً لك ليشرف بك وينال بسببك رفعة.
ومثل العمق مملوءاً دماءً ... مشت بك في مجاريه الخيول