للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل الطبع: الخلق. والخلائق: البشر. أي أنك تميل وتكره أخلاق جميع الناس. والجحفل: العسكر. الجرار: الذي يجر نفسه أي بعضه بعضاً، وقيل: الذي يجر الرماح.

يقول: إنك تتجنب أخلاق الناس، أو دنىء الأخلاق، مع أن العسكر العظيم إذا أتبعته مال عنك.

يا من يعزّ على الأعزّة جاره ... ويذلّ في سطواته الجبّار

الأعزة: قيل هي أولاده وسائر من يعز عليه. ومعناه أن جاره المستجير به يكون أفضل في جواره من أعزته. وقيل أراد بالأعزة الملوك أي أن جاره عزيز، له فضل على سائر الملوك، والأعزة، فلا يمكن لأحد من الملوك ضيمه، ويذل الملك الجبار بسطوته. وعدوه. ذليل لفضل قوته.

كن حيث شئت فما تحول تنوفةٌ ... دون اللّقاء ولا يشطّ مزار

التنوفة: المفازة البعيدة الأطراف. وتحول: أي تمنع. ولا يشط: أي لا يبعد. والمزار: يجوز أن يكون كالزيارة، ويجوز أن يكون اسماً لمكان الزيارة.

يقول: كن في أي موضع شئت فما يحول بيني وبين قصدك، وبين من يقصدك لمعروفك مفازة بعيدة، ولا يبعد على من يقصدك مستميحاً ومثله:

من عالج الشّوق لم يستبعد الدّار

وله:

كن كيف شئت تسر إليك ركابنا

وبدون ما أنا من ودادك مضمرٌ ... ينضى المطيّ ويقرب المستار

المستار: بمعنى المسير، وهو مفتعل منه، ويجوز أن يكون اسماً لمكان السير.

يقول: ما أضمره لك من المودة والحرص على اللحاق بك - ومن ود إنساناً بعض ما أودك - فإنه يهز المطيّ في اللحوق بك، ويقرب عليه المسير والمسافة البعيدة.

إنّ الّذي خلّفت خلفي ضائعٌ ... ما لي علي قلقي إليه خيار

يقول: لولا أهلي الذين خلفتهم ورائي، لصحبتك، ولكنهم إن رغبت عنهم ضاعوا، فقلقي إليهم شغل قلبي بهم، فمنعني من اختياري وإيثار صحبتك عليهم.

وقيل أراد بالقلق الاضطرار أي أني مضطر إلى الرجوع إلى أهلي ومالي مع هذا اختيار.

وإذا صحبت فكلّ ماءٍ مشربٌ ... لولا العيال وكلّ أرضٍ دار

يقول: لولا العيال، لما كان شيء عندي أطيب من مصاحبتك؛ لأني إذا صحبتك فكل ماء مشرب. أي طيب زلال، وكل بلد يكون داراً لي؛ لأن كل راحة معك وكل عيش يتهيأ بك وبصحبتك. ومثله قول الآخر:

إذن الأمير بأن أعود إليهم ... صلةٌ تسير بشكرها الأشعار

وماهي إلا بلدة مثل بلدة ... وخيرهما ما كان عوناً على الزمن

يقول: إن أذن الأمير بالعودة إلى أهلي عددت ذلك صلة من صلاته، أشكره عليها، وأسير الأشعار بذكرها. وفيه تنبيه على أن الوقت وقت الصلة وعلى التحقيق أن سيف الدولة قدر رضى بالإذن من غير اقتران صلة.

وقال يرثى عبد الله بن سيف الدولة بحلب وقد توفى بميافارقين سنة ٣٣٨ قال:

بنا منك، فوق الرّمل، ما بك في الرّمل ... وهذا الّذي يضني كذاك الّذي يبلي

الرمل ها هنا: الأرض والتراب. والضنا: طول المرض، والاضناء: الإمراض. وقوله منك أراد من الغم عليك، فحذف المضاف.

يقول: تحت التراب تبلى ونحن فوقه نضنى، فبنا من الغم عليك فوق الأرض من طول الضنا، مثل ما بك تحتها من طول البلى، فهذا الحزن الذي بنا يضنينا ويهزلنا، مثل الموت الذي يبلى جسدك ويفرق أوصالك، فنحن أموات في صورة الأحياء.

كأنّك أبصرت الّذي بي وخفته ... إذا عشت فاخترت الحمام على الثّكل

الثكل: فقد المحبوب! يخاطب الولد على لسان سيف الدولة فيقول: كأنك أبصرت قبل موتك ما بي الآن من الحزن عليك، فرأيته أشد من الموت! وخفت أنك إن عشت تبتلى بثكل ولد كما ابتليت أنا بثكلك! ويصيبك من ألم الحزن مثل ما أصابني، فاخترت الموت على الثكل.

تركت خدود الغانيات وفوقها ... دموعٌ تذيب الحسن في الأعين النّجل

يقول: تركت النساء الغانيات يبكين عليك، حتى قرحت أجفانهن وذهب حسن عيونهن، وإنما اختار لفظ الإذابة، لأن حسن العيون لما كان كأنه يذهب بالبكاء على تدرج الأيام، ولم يذهب دفعة واحدة كان لفظ الإذابة أبلغ من قوله تزيل الحسن أو تذهب الحسن.

وقيل: إنما قال تذيب؛ لأن الذوب في معنى السيلان، والدمع سائل، فكما أن الحسن سال مع الكحل، فيزول حسن الكحل ويبقى حسن الكحل، وكأن الحسن قد ذاب ونقص.

تبلّ الثّرى سوداً من المسك وحده ... وقد قطرت حمراً على الشّعر الجثل

<<  <   >  >>