للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن ابن جني قال: سألت المتنبي عن هذا فقال: كان سيف الدولة ترك الركوب مدة لعلة أصابته، فحركته بهذا، فعلى هذا: البيت الأول بيت لهذا المعنى.

يعني أنك موفق الرأي فيما تفعله، ولكن الرأي أن ترجع إلى أمرك الأول من الغزو والقتال.

ينظرن من مقلٍ أدمى أحجّتها ... قرع الفوارس بالعسّالة الذّبل

الأحجة: جمع الحجاج، وهو العظم الذي فوق العين، وفاعل أدمى: قرع الفوارس. ومفعوله: أحجتها. وقرع: قيل مضاف إلى المفعول، ومعناه: قرعك الفوارس. أي أن خيلك ينظرن من عيون قد أدماها قرعك الفوارس بالعسالة: بالرماح اللينة الكثيرة الاضطراب؛ لأنها إذا شرعت للطعن يكون مرها على قرب الحجاج من الفرس. يعني أنها معودة للقتال. وقيل: إنه مضاف إلى الفاعل. أي أن خيلك قد أدمى عيونها طعن الفرسان إياها؛ لأنها تكون مقدمة لا تولى، فالطعن إنما يقع على وجهها.

فلا هجمت بها إلاّ على ظفرٍ ... ولا وصلت بها إلاّ إلى أمل

دعاء له بالظفر. يقول: كلما ركبت خيلك وصلت إلى ما ترجوه، وظفرت بما تطلبه والهاء في بها للخيل.

وقال يمدحه ويعتذر عن المسير معه وقد سأله السير معه في الطريق، لما سار لنصرة أخيه ناصر الدولي سنة ٣٣٧:

سر حلّ حيث تحلّه النّوّار ... وأراد فيك مرادك المقدار

النور والنوار واحد. ويجوز أن يكون النوار: جمع نور. وحل: قيل: دعاء بلفظ الخبر، ومعناه: سر، حل النوار حيث تحله.

والمقصود: سقاك الله الغيث حيث حللت حتى يحل هناك النوار.

وقيل: إنه خبر على الحقيقة، ومعناه: أنه جعل سقياً. فيقول له: أنت السحاب فإذا حللت ببلد يحصل منك السقى، فيحصل بك النور والزهر.

وأما الصراع الثاني فأولى فيه حمله على الدعاء: معناه أن الأقدار ساعدتك على مرادك، وأرادت كما تريد أنت.

ويجوز حمل المصراع الثاني على الخبر: أي أن الأقدار، لا تريد إلا ما تريد أنت. وفاعل حل: النوار. وفاعل أراد: المقدار.

وإذا ارتحلت فشيّعتك سلامةٌ ... حيث اتّجهت وديمةٌ مدرار

توجهت: بمعنى اتجهت. والديمة. مطر يدوم أياماً في سكون ريح ورعد. ومدرار: قيل متصل المطر. وشيعتك: دعاء، ومعناه حيث قصدت صاحبتك السلامة، وديمة غزيرة تسقي محلك، وتخضب منزلك.

وصدرت أغنم صادرٍ عن موردٍ ... مرفوعةً لقدومك الأبصار

وهذا البيت أيضاً دعاء. وقوله: مرفوعة لقدومك الأبصار: إشارة إلى ما يحصل من السرور، لأن الأبصار إنما ترفع عند ذلك.

يقول: إذا رجعت من مقصدك رجعت غانماً قد شخصت الأبصار إليك وقوله: أغنم ومرفوعة: نصب على الحال.

وأراك دهرك ما تحاول في العدا ... حتّى كأن صروفه أنصار

يقول داعياً له: أراك دهرك من أعدائك ما تريده منهم، حتى تكون صروف الدهر أنصاراً لك، ومن جملة أوليائك.

أنت الذي بجح الزّمان بذكره ... وتزيّنت بحديثه الأسمار

بجح: أي افتخر. يقول: إن الزمان يفتخر بذكرك؛ لأن له فضلاً على سائر الأزمنة المتقدمة.

وقيل: أراد بالزمان أهله، والأسمار إذا تضمنت حديثك وحديث وقائعك تزينت، إذ فيها من العجائب أكثر مما في الأحاديث الموضوعة.

وإذا تنكّر فالفناء عقابه ... وإذا عفا فعطاؤه الأعمار

وله وإن وهب الملوك مواهبٌ ... درّ الملوك لدرّها أغبار

الدر: أول ما ينزل من اللبن الكثير. والأغبار: جمع الغبر، وهو البقية بعد الحلب. والهاء في لدرها للمواهب.

يقول: إن عطايا الملوك في جنب إعطائك كالأغبار. يعني أن أقل مواهبك أعظم من مواهب سائر الملوك.

وقيل معناه: أن عطايا الملوك هي بقايا عطاياه، ومعناه أنه أفضل منهم وهم دونه ومحتاجون إليه، وإن صلاتهم من صلاته.

لله قلبك! ما تخاف من الرّدى ... وتخاف أن يدنوا إليك العار

لله قلبك: أي ما أعجب أمرك! وأعظم أمر قلبك! لما فيه من القوة والشجاعة والهمة التي لا تخاف معها الهلاك! ومع ذلك فأنت تخاف من أن يدنوا إليك العار.

وقيل: ألف الاستفهام محذوفة في الموضعين ومعناه: أما تخاف من الردى؟! وأتخاف من العار؟! وهو دون الردى في الصورة.

وتحيد عن طبع الخلائق كلّه ... ويحيد عنك الجحفل الجرّار

الطبع: قيل هو الدرن. والخلائق الأخلاق ومعناه أنك تميل عن دنس الأخلاق ودنس الطباع.

<<  <   >  >>