للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: إنه ينال ما هو أبعد منها. أي أبعد من الشمس. وهي ترى ذلك وتنظر إليه، فما تقابل هذه الشمس سيف الدولة عند طلوعها وفي سائر الأوقات، إلا وهي خائفة من أن يغير عليها.

قد عرّض السّيف دون النّازلات به ... وظاهر الحزم بين النّفس والغيل

قيل: أراد بالسيف نفسه، والهاء في به: ترجع إلى سيف الدولة.

يقول: جعل سيفه عارضاً بينه وبين النوائب وقد لبس الحزم مظاهراً. حاجزاً بين نفسه وبين اغتيال عدوه، فحزمه سلاح له كالسيف.

ووكّل الظنّ بالأسرار فانكشفت ... له ضمائر أهل السّهل والجبل

الهاء في له ترجع إلى سيف الدولة، وقيل: إلى الظن.

يقول: وكل ظنه بضمائر الناس، فظهرت له ضمائر أهل السهل والجبل.

هو الشّجاع يعدّ البخل من جبنٍ ... وهو الجواد يعدّ الجبن من بخل

يقول: إنه يتجنب من البخل، كما يتجنب الشجاع من الجبن، ويتجنب من الجبن، كما يتجنب الجواد من البخل، فأجرى البخل مجرى الجبن. فشجاعته تريه أن البخل من جملة الجبن؛ لأن البخيل يبخل بماله خوف الفقر، فهو جبن. وجوده يريه أن الجبن بخل بالنفس فشجاعته تمنعه من البخل، وجوده يمنعه من الجبن.

يعود من كلّ فتحٍ غير مفتخرٍ ... وقد أغذّ إليه غير محتفل

أغذ إليه: أي أسرع إليه في السير. والاحتفال: التأهب.

يقول: إنه يفتح البلاد ويعود، ولا يفتخر بما فعل ولا يعتد به؛ لأنه يستصغر ما يفعله، ويسير إلى الأعداء مسرعاً غير مبال بهم ولا مستعد لهم فيهزمهم.

ولا يجير عليه الدّهر بغيته ... ولا يحصّن درعٌ مهجة البطل

البغية: الطلبة، وهي المطلوب، ولا يجير: أي لا يعيب.

يقول: إنه الدهر لا يمنعه مراده، والدرع لا يحفظ منه مهجة الشجاع إذا أراد قتله.

إذا خلعت على عرضٍ له حللاً ... وجدتها منه في أبهى من الحلل

أراد بالحلل: القصائد.

يقول: كسوته مدائح من شعري، لأجمله بحسن ذكره في الآفاق، فاكتسبت منه مدائحي جمالاً، ولبست من عرضه حللاً وكمالا، فصار هو الذي ينشر شعري. ومثل هذا قول كثير:

وإذا الدّرّ زان حسن وجوه ... كان للدّرّ حسن وجهك زينا

بذى الغباوة من إنشادها ضررٌ ... كما تضرّ رياح الورد بالجعل

يقول: إن الجاهل عن إدراكه وإدراك معناه، لا يعيب في شعري، بل هو على أبلغ وجوه الإحكام والجودة، وكما أن الجعل إذا شم ريح الورد غشى عليه وليس ذلك لنقص الورد، بل هو لخبث نفس الجعل ولؤم طبعه. ووجه ضررها بالغبي أنها تهتك ستر جهله، وتدل على بلادة فهمه، كما يظهر الورد لؤم طبع الجعل والهاء في إنشادها للحلل.

لقد رأت كلّ عينٍ منك مالئها ... وجرّبت خير سيفٍ خيرة الدّول

الهاء في مالئها للعين. والخيرة وإن كانت أفعل التفضيل، وهو لا يدخله الهاء، فإنها إنما حذفت منه الألف لحقت بغيرها فيقال: زيد خير الناس وهند خيرة النساء.

يقول: كل عين نظرت إليك ملأها حسنك وهيبتك، ولما كنت سيفاً كان مجربه: الذي هو الدولة. خيرة الدول.

فما تكشّفك الأعداء عن مللٍ ... من الحروب ولا الآراء عن زلل

يقول: إن الأعداء جرّبوك، فوجدوك لا تمل حروبهم، وكذلك لا تكشفك الآراء عن زلل؛ لأن رأيك لا يكون خطأ أبداً.

وكم رجالٍ بلا أرضٍ لكثرتهم ... تركت جمعهم أرضاً بلا رجل

يقول: كم رجال من الأعداء ضاقت الأرض بهم لكثرتهم، فأفنيتهم، حتى صارت ديارهم خالية ليس فيها رجل.

ما زال طرفك يجري في دمائهم ... حتّى مشى بك مشي الشّارب الثّمل

يقول: قد أجريت دماءهم، وأكثرت من قتلهم، حتى كأن فرسك يتعثر فيهم؛ لكثرة جيفهم، ويتمايل بك كما يتمايل السكران الثمل.

يا من يسير وحكم النّاظرين له ... فيما يراه وحكم القلب في الجذل

الجذل: السرور.

يقول: إن الأرض كلها له، فحيثما سار يرى سروراً، وهو مأخوذ من قوله تعالى: " وَفِيهَا مَا تَشْتَهيِه الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ ".

إنّ السّعادة فيما أنت فاعله ... وفقت مرتحلاً أو غير مرتحل

يقول: كل ما فعلته مقرون بالسعادة والتوفيق، سواء ارتحلت أو أقمت. وقيل: إنه دعاء له بالتوفيق على كل حال.

أجر الجياد على ما كنت مجريها ... وخذ بنفسك في أخلاقك الأول

<<  <   >  >>