للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنّ إعطاءه الصّوارم والخي ... ل وسمر الرّماح والعكر

العكر: جمع عكرة: وهي ما بين الخمسين إلى المئة من الإبل.

يقول: لو عابك عائب ما وجد فيك عيبا! إلا كونك من البشر، وأنك تعطى السيوف، والخيل، والرماح، والإبل الكثيرة. وهذا ليس مما يعاب. ومثله قول الآخر:

ولا عيب في أخلاقه غير أنّه ... جوادٌ فما يبقى من المال باقيا

فاضح أعدائه كأنّهم ... له يقلّون كلّما كثروا

يقول: يفضح أعداءه بالقهر، وإظهار عجزهم، وكلما اجتمعوا عليه كان على كسرهم أقدر، فكأنهم عند كثرتهم يقلون له، وكأن كثرتهم سبب قلتهم.

وقيل: معناه أنهم كلما كثروا وازدادوا فضلاً، إذا قيسوا به صاروا إلى الإضافة إليه في حد القلة، وصار فاضحاً لهم.

أعاذك الله من سهامهم ... ومخطئٌ من رميّه القمر

وقال يشكره وقد أمر سيف الدولة بإنفاد خلع إليه:

فعلت بنا فعل السّماء بأرضه ... خلع الأمير وحقّه لم نقضه

الهاء في أرضه للسماء، ذكره لأنه أراد السقف، وقيل: أراد به المطر.

وقيل: إنه كناية الأمير، فأضمره قبل الذكر، كقوله تعالى: " فَإنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَار ".

يقول: إن خلع الأمير قد زينتنا وكستنا بأنواع الوشى، كما يكسو المطر، الأرض، ويزينها بأنواع الأنوار، وألوان الأزهار، ونحن لم نقض حق الأمير من الخدمة، ولم أقدر على أن أمدحه بما يليق بأوصافه، لقصور المدائح عن أوصافه.

فكأنّ صحّة نسجها من لفظه ... وكأنّ حسن نقائها من عرضه

شبه صحة نسج هذه الخلع بصحة معاني الممدوح في لفظه، وشبه نقاءها من الدنس بعرضه. والعرض: يمدح به الرجل، أو يذم.

وإذا وكلت إلى كريمٍ رأيه ... في الجود بان مذيقه من محضه

المذيق: المشوب. والمحض: الخالص.

يقول: إذا جعلت إلى كريم رأيه، وفوضته إليه، في الجود والكرم، ظهر لك الخالص من المشوب، والطبيعي من التكلفي.

وقال يمدح سيف الدولة:

لا الحلم جاد به ولا بمثاله ... لولا ادكار وداعه وزياله

الزيال: المزايلة: وهي المفارقة. وقيل: هو الزوال. يقال: زال زوالا وزيالاً. والكناية في به ومثاله ووداعه وزياله للخيال. وقيل: إن الكنايات ترجع إلى الحبيب. والمثال: مثال الحبيب.

يقول: إن النوم لم يسمح لي برؤية هذا الحبيب، ولا أهدي النوم إلي مثاله: أي خياله، لولا أني أطلت الفكرة بذكر وداعه ومفارقته، فرأيت في النوم ما كان هاجساً في خاطري، من ذكره وذكر وداعه.

فإن كان الضمير للكناية، فمعناه لولا تذكري لوداعه ليلاً ونهاراً، لكان النوم لا يسمح لي بهذا الخيال، لا مثال الخيال! يشبه قول الطائي:

زار الخيال لها بل أزاركه ... فكرٌ إذا نام فكر القوم لم ينم

ومثله لآخر:

وما زال حتّى سهّل الشّوق طرقه ... وقاد إليه ناظر العين مركبا

إنّ المعيد لنا المنام خياله ... كانت إعادته خيال خياله

له معان: أحدها: أن ما أرانا المنام من خيال الحبيب - عوداً على بدء - ليس خياله، بل كان خيال خياله؛ لأن النوم أرانا أولا: خياله بعد الفراق؛ فأنبهنا، وفي نفوسنا طيب ذلك الخيال، فلما أردنا النوم ثانياً: كان خيال الخيال الذي أراناه قبل ذلك، فالأول خيال الحبيب والثاني خيال ذلك الخيال.

والثاني: أنا كنا تذكرناه بعد فراقه، وأدناه في عيوننا، فكأنه لم يغب عنا، فما رأيناه في النوم خيال ذلك الخيال الذي كنا نراه بالفكر والوهم.

والثالث: أن لقاء الحبيب صار خيالا لبعد العهد، وتطاول الأيام على هجره، فلما رأيته في المنام فكأني رأيت خيال خياله؛ لأن صورته كانت لنا كالخيال؛ لزوال الانتفاع، كما لا ينتفع بالخيال.

بتنا يناولنا المدام بكفّه ... من ليس يخطر أن نراه بباله

الهاء في نراه وبباله لمن وهو الخيال.

يقول: رأيت في النوم كأني أشرب المدام من كف حبيب، ليس يخطر على باله أن نراه؛ لبعده عني وقلة تفكره في، وخلو قلبه عن ذكرى، فضلا من أن يسقيني المدام بكفه.

نجني الكواكب من قلائد جيده ... وننال عين الشّمس من خلخاله

أراد بالكواكب: الدر الذي في العقود. وشبهه بالكواكب في الحسن والصفاء، وشبه الخلخال بعين الشمس؛ لما عليه من الحمرة والاستدارة.

<<  <   >  >>