المحفاة: التي أحفاها الركض، يقال: حفى الفرس: إذا رق حافره، وأحفاه فارسه. ووبار من مدائن قوم عاد، خربت، وهي بين اليمن وعمان، والعرب تزعم أنها من مساكن الجن. وإرم: قوم عاد.
يقول: إن سيف الدولة هو الذي يرجع الخيل من الغزو، وقد أحفاها طول السير، حتى نزل فارسها عنها، فقادها رفقاً بها، بعد ما خرب أرض العدو، وأهلك، أهلها فترك تلك الأرض خراباً مثل وبار، وأهلها هلكى مثل إرم
كتلّ بطريقٍ المغرور ساكنها ... بأنّ دارك قنّسرون والأجم
قنسرون: بفتح النون الأولى. قال ابن جني: وكان المتنبي يكسرها. والأجم: موضع. وتل بطريق: مدينة خربها سيف الدولة.
يقول: إنه يخرب أرض العدو ويهلك أهلها كما خرب تل بطريق التي اغتر أهلها ببعدك عنهم وأنك في قنسرين، فقد رأوا أنك لا تقدر على أن تصل إليهم، فقصدتهم وخربت بلادهم.
وظنّهم أنّك المصباح في حلبٍ ... إذا قصدت سواها عادها الظّلم
وظنهم: عطف على قوله: بأن دارك.
يقول: اغتروا أيضاً بظنهم أنك لا تقدر أن تفارق حلب؛ خوفاً من أن تضطرب وتستولي عليها الأعداء، فلا يمكنك العود إليها، فشبهه فيها بالمصباح لأنه ينفي عنها ظلم الفتنة، كما ينفي المصباح ظلمة الليل.
والشّمس يعنون إلا أنّهم جهلوا ... والموت يدعون إلا أنّهم وهموا
يقول: جهلوا حيث شبهوك بالمصباح، ولم يعلموا أنك كالشمس، يعم نورها الأرض وتضيء الدنيا وهي بعيدة، وكذلك أنت تسوس جميع ممالكك وتدبر أحوال الناس وإن كنت بعيداً عنهم، وكذلك أنت كالموت لا كالمصباح، فغلطوا في تشبيهك بالمصباح، ولم يعلموا أنك كالموت لا يمتنع منك أحد ولا يبعد عليك متناوله.
فلم تتمّ سروجٌ فتح ناظرها ... إلا وجيشك في جفنيه مزدحم
سروج: مدينة، والهاء في ناظرها تعود إلى سروج. وفي جفنيه للناظر.
يقول: كانوا يغترون ببعدك منه فجئت إليهم أسرع من فتح سروج عينها، حتى ازدحم جيشك في عينها.
وقيل: أراد بازدحام الجيش في جفني الناظر عبارة عن امتلائهما بالغبار المرتفع من أرجل الخيل.
وقيل: معناه لم تصبح سروج إلاّ وخيلك مزدحمة عليها، فجعل الصباح لها بمنزلة فتح الناظر من النوم.
والنّقع يأخذ حرّاناً وبقعتها ... والشّمس تسفر أحياناً وتلتئم
النقع: الغبار. وحران: مدينة بالشام. والبقعة: بضم الباء، أرض يخالف لونها لون ما حولها.
وذكر أبو العلا المعري: أنه بفتح الباء وهكذا يروي قال: وهو موضع يقال له بقعة حران، وهذا أحسن لأنه لو لم يرد مكاناً مخصوصاً لم يكن لذكرها فائدة، لأن النقع إذا أخذ حران فقد أخذ بقعتها وإن لم تذكر.
يقول: جئت إلى سروج وعم غبار خيلك حران وسترها، وكانت الشمس تارة تظهر، حين انحسر عنها الغبار، وتارةً تستتر، حين تكاثف الغبار.
سحبٌ تمرّ بحصن الرّان ممسكةً ... وما بها البخل لولا أنّها نقم
حصن الران: من أعمال سيف الدولة.
يقول: كانت خيلك تمر بحصن الران كالسحاب، لأنها كانت تمطر النقم والهلاك، غير أنها كانت ممسكة عن الأمطار، وليس الإمساك عن بخل، ولكن ما فيها كانت نقماً وعقوبات، فلم تصبها على حصن الران؛ لأنها لم ترد هلاكها وهلاك أهلها.
جيشٌ كأنّك في أرضٍ تطاوله ... فالأرض لا أممٌ والجيش لا أمم
الأمم: القصد، والقرب. وتطاوله: فعل الأرض، والهاء: للجيش.
يقول: إن الجيش جيش ممتد متباعد الأطراف، يسير في أرض كذلك، فالأرض تطاول الجيش وتباريه في الطول، فلا الأرض متقاربة الطول، ولا الجيش، بل كلاهما طويل ممتد.
إذا مضى علمٌ منها بدا علمٌ ... وإن مضى علمٌ منه بدا علم
منها يعود إلى الأرض. والعلمان: كل واحد منهما الجبل. والهاء في منه تعود إلى الجيش. والعلمان: كل واحد منهما العلم المعروف: الذي هو الراية.
يقول: إذا غاب جبل من هذه الأرض بدا جبل آخر، وإذا مضت راية من جيشك بدت راية أخرى.
وشزّبٌ أحمت الشّعري شكائمها ... ووسّمتها على آنافها الحكم
الشزب: جمع الشازب، وهو الفرس الضامر. وقوله: أحمت الشعري شكائمها إنما قال ذلك؛ لأن طلوع الشعري يكون في شدة الحر، فأضاف الفعل إليها. والشكيمة: رأس اللجام. وقوله: فوسمتها. من السمة التي هي الكي. والحكم: جمع حكمة وهي ما على أنف الدابة.