يقول عطفاً على ما قبله: وظهرت خيل ضامرة وقد أحمت شدة الحر شكائمها، حتى صارت كالمكاوي، فوسمت أنوفها.
حتّى وردن بسمنينٍ بحيرتها ... تنشّ بالماء في أشداقها اللّجم
تنش: من النشيش، وهو صوت القلي، وصوت الحديد المحمي، إذا ألقى في الماء. وفاعل تنش: اللجم.
يقول: وردت خيلك بحيرة سمنين، وقد حميت شكائمها من شدة الحر، فلما شربت الماء، جعلت لجمها تنش في الماء نشيش الحديد المحمي إذا ألقي في الماء.
وأصبحت بقرى هنزيط جائلةً ... ترعى الظّبا في خصيبٍ نبته اللّمم
فاعل ترعى ضمير الخيل: أي أنهار راعية السيوف، مسببة لها في المرعى.
يقول: أصبحت الخيل جائلة في قرى هنزيط، تغير وتقتل، وأرسلت السيوف ترعى في منبت خصيب، وهي الرءوس: خصيبة بالشعور.
وقيل: إن فاعل ترعى الظبا أي كانت الظبا ترعى في رءوسهم الخصيبة من الشعور.
فما تركن بها خلداً له بصرٌ ... تحت التّراب ولا بازاً له قدم
الخلد: فأرةٌ عمياء فما تركن: أي الغارة والسيوف. وبها أي بقري هنزيط.
يقول: لم تترك الخيل والسيوف بقرى هنزيط شيخاً متوارياً من الأعداء منجحرا كالخلد في بطن الأرض إلا أنه ذو بصر، ولا شابا خفيفاً توغل في الجبال وتحصن بها كالباز، إلا أن طيرانه بقدم.
شبه المتوارين في البراري بخلد ذي بصر، والمتحصنين بالجبال بباز ذي قدم، إزاله للتوهم أنه خلد حقيقي، أو باز حقيقي، وبياناً أنه قصد به التشبيه والاستعارة.
ولا هزبراً له من درعه لبدٌ ... ولا مهاةً لها من شبهها حشم
اللبد: جمع لبدة الأسد، وهي ما تلبد على كتفه من وبره. والمهاة: البقرة الوحشية. والحشم: حاشية الرجل.
يقول: ما تركت بها شجاعاً أيضا مثل الأسد، عليه - مكان لبدته - درع، ولا امرأة كالمهاة ولها من أمثالها خدم.
ترمى على شفرات الباترات بهم ... مكامن الأرض والغيطان والأكم
الباء في بهم متعلق بترمى بهم: أي بالأعداء.
يقول: إن الأرض ترمى بالأعداء على شفار السيوف، وكل موضع استتروا فيه وهربوا إليه استخرجتهم الخيل وقتلتهم، فلم تكتمهم مكامن الأرض، ولا واراهم الغيطان، ولا حصنتهم الآكام.
وجاوزوا أرسناساً معصمين به ... وكيف يعصمهم ما ليس ينعصم؟!
أرسناس: نهر عظيم. معصمين به: أي ممتنعين به.
يقول: لما عبروا أرسناس ظنوا أنه يحول بينك وبينهم، وكيف يعصمهم منك وهو لم يمكنه أن يعصم نفسه منك؟! لأنك عبرته بخيلك، فلم يقدر على الامتناع عليك.
وما يصدّك عن بحرٍ لهم سعةٌ ... وما يردّك عن طودٍ لهم شمم
الشمم: الارتفاع.
يقول: لا يمنعك عن بحر الأعداء سعته، ولا يردك عن جبلهم ارتفاعه.
ضربته بصدور الخيل حاملةً ... قوماً إذا تلفوا قدماً فقد سلموا
حاملةً: نصب على الحال. وقوماً: نصب بحاملة. أي يحمل قوماً صفتهم ما بعده.
يقول: ضربت أرسناس بصدور الخيل وكانت تحمل من أصحابك قوماً يعدون التلف في الحرب سلامة، فيسرون به كما يسرون بالسلامة.
تجفّل الموج عن لبّات خيلهم ... كما تجفّل تحت الغارة النّعم
تجفل: أي أسرع في الذهاب.
يقول: إن الموج كان يتفرق يميناً وشمالاً عن صدور الخيل بالسرعة، كما تتفرق الإبل عند الإغارة عليها.
عبرت تقدمهم فيه وفي بلدٍ ... سكّانه رممٌ، مسكونها حمم
يقول: عبرت هذا النهر، وأنت تتقدم الجيش، وتقدمتهم أيضاً في بلد أحرقته حتى صار كالفحم، وصار أهلها رميما.
وفي أكفّهم النّار الّتي عبدت ... قبل المجوس إلى ذا اليوم تضطرم
يقول: عبرت هذا النهر بخيلك، وفي أيديهم السيوف المجردة، وشبهها بالنار لبريقها، ولما جعلها ناراً جعلها معبوداً من قبل المجوس الذين يعبدون النار.
يعني: أن المجوس دانوا لها وخضعوا لشعارها من أول الدهر إلى يومنا هذا.
وقبل: تم الكلام عند قوله: وفي أكفهم النار التي عبدت ثم قال: قبل المجوس إلى ذا اليوم تضطرم.
يعني: أن السيوف مضطرمة متألقة قبل زمان المجوس إلى زماننا هذا. فكأنه يقول: إن السيوف كالنيران الحقيقية، وهي النيران المعبودة. ثم بين أن اضطرامها تقدم زمان المجوس، يعني: أن سيوفه عتيقة.
هنديّةٌ إن تصغّر معشراً صغروا ... بحدّها أو تعظّم معشراً عظموا