للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: أراد به أن خيل سيف الدولة علمت ذلك.

أتاهم بأوسع من أرضهم ... طوال السّبيب قصار العسب

السبيب: شعر العرف والذنب. والعسب: جمع العسيب، وهو العظم الذي ينبت عليه الذنب، ويستحب في الفرس طول شعر ذنبه، وقصر عسيبه.

يقول: أتى الدمستق أهل الثغور بخيل، موضعها من الأرض أوسع من أرضهم، ونصب طوال وقصار على الحال.

تغيب الشّواهق في جيشه ... وتبدو صغاراً إذا لم تغب

يقول: كانت الجبال الشواهق تغيب في جيش الدمستق لكثرته، فإن ظهرت الجبال ولم تغب تبدو صغاراً.

ولا تعبر الرّيح في جوّه ... إذا لم تخطّ القنا أو تثب

الهاء في جوه للجيش وإذا لم تخط القنا هو من تخطيت القوم: إذا جاوزتهم، وهو فعل الريح، وتثب عطف عليه والقنا في موضع النصب، لأنه مفعول قوله: إذا لم تخط.

يقول: لا تقدر الريح أن تنفذ في جو هذا الجيش إلا أن تخطت القنا وجاوزته، أو وثبت من فوقه، وإلا لم يمكنها أن تنفذ في جوه.

فغرّق مدنهم بالجيوش ... وأخفت أصواتهم باللّجب

يقول: إن الدمستق ملأ مدن الثغور بخيله، حتى غرقت في جيوشه، وأخفى أصوات أهل المدن بلجب جيوشه.

فأخبث به طالباً قتلهم ... وأخبث به تاركاً ما طلب

أي ما أخبثه في الحالين؟! يقول: ما أخبثه حين جاء يقاتل المسلمين، وما أخبثه حين هرب وانقاد للعار والضيم، فهو في كلا الحالين خبيث وطالبا وتاركاً نصب على الحال.

نأيت فقاتلهم باللّقاء ... وجئت فقاتلهم بالهرب

يقول: لما بعدت عن أهل الثغور، قصدهم الدمستق ولقيتهم، فلما جئت هرب وتركهم، فكان هذا قتاله.

وكانوا له الفخر لمّا أتى ... وكنت له العذر لمّا ذهب

وكانوا: أي أهل الثغور.

يقول: كان أهل الثغور فخراً للدمستق لما أتى لأنه كاد يقهرهم ولما ذهب كنت له العذر، لأن مثله لا يقاومك.

سبقت إليهم مناياهم ... ومنفعة الغوث قبل العطب

الغوث: مصدر أغاثه إذ أنقذه.

يقول: سبقت إليهم قبل وصول هلاكهم إليهم، فأغثتهم قبل أن يهلكوا. والغوث إنما ينفع قبل الهلاك، وأما بعده فلا فائدة فيه.

فخرّوا لخالقهم سجّدا ... ولو لم تغث سجدوا للصّلب

يقول: لما أغثت أهل الثغور سجدوا لله تعالى شكرا، وبقوا على الإسلام، ولو لم تنصرهم لألجأهم الكفار أن يسجدوا للصلب.

وكم ذدت عنهم ردىً بالرّدى ... وكشّفت من كربٍ بالكرب

يقول: كم مرة دفعت الهلاك عن أهل الإسلام؛ بإهلاك أعدائهم؟! وكشفت الغم عنهم بالغم الذي أوقعت فيه أعداءهم.

وقد زعموا أنّه إن يعد ... يعد معه الملك المعتصب

المعتصب: المتوج.

يقول: إن الناس زعموا أن الدمستق إذا عاد إلى الثغور عاد معه ملكهم الأعظم، صاحب التاج.

ومتى قيل: لم قال: يعد معه الملك المعتصب والعود إنما يكون بعد البدء، والملك لم يكن قصدهم قبل ذلك؟ قيل له: قد جاء العود في معنى الابتداء كما قال الله تعالى: " أوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنَا ".

وقيل: إن هذا الاعتراض غير متوجه؛ لأن قوله: يعد معه فعل الدمستق، ومعه الملك المعتصب في موضع نصب على الحال: أي يعد ومعه الملك وهذه الواو، تحذف إذا كان في الحال ضمير يرجع إلى صاحبها والملك على هذا يرفع بالابتداء، وعلى الوجه الأول يرتفع لفعله.

وقلت: إن يعد في معنى الابتداء، وحسن ذكره ها هنا لتعلقه بالأول، فيكون قد أجرى عليه لفظاً يتعلق به، إذ لا شك أن العود الأول على حقيقته، فلما تعلق الثاني به أجرى مجراه، كقوله تعالى: " وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيئَةٌ مِثْلُهَا ".

ويستنصران الّذي يعبدان ... وعندما أنّه قد صلب

يقول: زعموا أن الدمستق والملك يرجعان ويطلبان النصرة ممن يعبدانه، وهو المسيح عليه السلام، وفي اعتقادهما أنه قد صلب، فكيف يقدر أن يدفع عنهم القتل، وهو لم يقدر على أن يدفعه عن نفسه! يتعجب من عقول النصارى وفساد اعتقادهم.

ويدفع ما ناله عنهما ... فيا للرّجال لهذا العجب!

اللام الأولى مفتوحة؛ لأنها لام الاستغاثة للمدعو، والثانية مكسورة؛ لأنها لام المتعجب منه المدعو إليه.

والمعنى: أنه يتعجب من قول النصارى. أي كيف يدفع عنهما ما ناله من القتل في اعتقادهما! فلو قدر لدفع عن نفسه!

<<  <   >  >>