للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يقول: لم تدرك الملك بالتمني والاتفاق، وإنما أدركته بمقاساة الأمور العظيمة، ومعاناة الخطوب الشديدة، ومباشرة الحروب التي تشيب بهولها رءوس الأطفال. وأراد بالأيام: الحروب، والخطوب العظمة.

عداك تراها في البلاد مساعياً ... وأنت تراها في السّماء مراقيا

الهاء في تراها قيل: للمعالي وقيل: للأيام.

يقول: أنت تعتقد في المعالي، أو الخطوب العظيمة، أضعاف ما يعتقده أعداؤك من الملوك، فهم يرونها مساعي في الأرض، وأنت تراها مراقي في السماء، فحرصك عليها أبلغ، ونيلك لها أمكن.

لبست لها كدر العجاج كأنّما ... ترى غير صافٍ أن ترى الجوّ صافيا

يقول: لبست للمعالي أو للأيام، لباس الغبار، وملازمة القتام، حتى كأنك إذا رأيت الجو صافياً من غبار الحروب، رأيت ذلك كراهةً، كما يكره غيرك الغبار، وصفاء الجو عندك، كدره بالغبار. ومثل هذا البيت في صفة السيف قوله:

يلاقيك بسّاماً ووجهك عابسٌ ... فتلقاه عبّاساً وثغرك باسم

وقدت إليها كلّ أجرد سابحٍ ... يؤدّيك غضباناً ويثنيك راضيا

إليها: أي إلى الأيام، التي هي الحروب. والأجرد: القصير الشعر السابق: الذي يتقدم الخيل متجردا عنها. والسابح: الشديد الجريء.

يقول: إنك تقود إلى الحروب كل فرس سابق، وهو يأتي بك إلى الحرب وأنت غضبان، ويرجع بك وأنت راض؛ لوصولك إلى مرادك من الأعداء.

ومخترطٍ ماضٍ يطيعك آمراً ... ويعصي إذا استثنيت أو كنت ناهيا

وهذا عطف على ما قبله بإضمار فعل: أي وقدت إليها كل أجرد سابح، واخترطت كل سيف مجرد.

يقول: سيفك يطيعك إذا أمرته بالضرب، فإن أردت التوقف عن الضرب عصاك، لأنه قد قطع فلا يمكن رده.

وأسمر ذي عشرين ترضاه وارداً ... ويرضاك في إيراده الخيل ساقيا

أي: وحملت كل أسمر ذي عشرين ذراعاً. وهذا على طريق المبالغة؛ لأن ذلك لا يكون، وأكثر ما يكون الرمح ثلاثة عشر ذراعاً. والمحمود ما يكون أحد عشر ذراعاً. وقوله: ترضاه وارداً: أي إذا طعنت به رضيت نفاذه في الطعن، وهو أيضاً يرضاك إذا أوردته في نحور الخيل لتسقيه.

يعني: هو يرضى منك جودة الطعن كما ترضى منه جودة النفاذ.

كتائب ما انفكّت تجوس عمائراً ... من الأرض قد جاست إليها فيافيا

تجوس: أي تدوس وتطأ. والعمائر: القبائل، الواحدة عمارة.

يقول: إن كتائبه لا تزال تدوس قبائل من أعدائه، قد سرت إليها من بعد، وقطعت فيافي من الأرض. يعني: أنه يقصد الأعداء في ديارهم.

وقيل: أراد بالعمائر الأرض العامرة؛ ليطابق الفيافي.

والمعنى: أنها سلكت المفاوز والفلوات، حتى وصلت إلى ديار الأعداء فوطئتها وأغارت عليها.

يصف بعض غزواته، وأنه يقصد أعداءه في الأماكن البعيدة.

غزوت بها دور الملوك فباشرت ... سنابكها هاماتهم والمغانيا

المغاني: المنازل. واحدها: مغنى.

يقول: غزوت بخيلك دور الملوك فقتلتهم، ووطئت بحوافرها رءوسهم وديارهم.

وأنت الّذي تغشى الأسنّة أوّلاً ... وتأنف أن تغشى الأسنّة ثانيا

يقول: أنت تطرح نفسك على رماح أعدائك قبل أصحابك، وتأنف أن يتقدمك أحد في الحرب وروى: تلقى الأسنة في المصراعين.

يعني: أنك تطاعن الخيل قدماً، وتأنف أن يتقدم عليك أحد.

إذا الهند سوّت بين سيفي كريهةٍ ... فسيفك في كفٍّ تزيل التّساويا

يقول: إذا عملت الهند سيفين متينين من حديد واحد، حتى لا فضل لأحدهما على الآخر، فإذا حصل أحدهما في يدك صار أمضى من الآخر، وزال التساوي بينهما.

وسيف كريهة: أي قاطع، إذا أكره في الحديد والعظام مضى فيها.

ومن قول سامٍ لو رآك لنسله: ... فدى ابن أخي نسلي ونفسي وماليا

سام: ابن نوح عليهما السلام، أبو العرب والروم والفرس، وحام: أبو السودان والبربر والهند، ويافث: أبو الترك. ويجوز فدى بكسر الفاء وابن أخي بالجر على الإضافة ويجوز: بفتح الفاء على أن تجعل فدى فعلاً فتنصب ابن أخي على أنه مفعول به.

والمعنى: أن ساماً لو رأى سياستك لقال لك: فداك نفسي ونسلي ومالي

مدىً بلّغ الأستاذ أقصاه ربّه ... ونفسٌ له لم ترض إلاّ التّناهيا

يقول: قد بلغ الله الأستاذ هذه المنزلة، وبلغته أيضاً نفسه التي لم ترض إلا بلوغ الغاية في المجد.

<<  <   >  >>