للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: قال قلبي تداويت من شوقك إلى أهلك بفراق عضد الدولة، وكل واحد منهما سقم، غير أن أقتل ما أسقمك، ما استشفيت به. يعني: أن فراق أهلك أعلك، وفراق عضد الدولة الذي استشفيت به، فهو أقتل لك وأدحى في الإهلاك. من الذي أعلك.

وقيل: هذا من قول المتنبي إلى قلبه وهو قريب من قول القائل:

المستجير بعمرو عند كربته ... كالمستجير من الرّمضاء بالنّار

فأستر منك نجوانا وأخفى ... هموماً قد أطلت لها العراكا

النجوى: السر. والعراك: الصراع.

يقول لعضد الدولة: أستر منك مناجاتي مع قلبي، وأخفي منك هموماً لا أزال أعاركها.

إذا عاصيتها كانت شداداً ... وإن طاوعتها كانت ركاكا

الركاك: جمع ركيك، وهو الضعيف. والهاء في عاصيتها وطاوعتها للهموم، وأراد بالهموم: ما يهمه من الشوق. أي: إن عاصيت الهموم، واخترتك على أهلي كانت قوية وإن طاوعتها كانت ركيكة؛ لأني أختار لقاء الأهل على جوارك والتشرف بك. وهذا رأي ضعيف.

وكم دون الثّويّة من حزينٍ ... يقول له قدومي ذا بذاكا

الثوية: مكان بالكوفة. وقوله: دون الثوية أي أقرب إلينا من الثوية.

يقول: كم لي بقرب الثوية من حزين على فراقي، إذا قدمت عليه سر بلقائي، فكأن قدومي قال له: هذا السرور الآن، بذلك الحزن الذي كان، ولولا كان ذلك الحزن، لم يكن هذا السرور.

قال ابن جني: ولم يقل بعد قوله يقول: إن شاء الله تعالى.

ومن عذب الرّضاب إذا أنخنا ... يقبّل رجل تروك والوراكا

الرضاب: قطع الريق. وتروك: اسم ناقة وهبها له عضد الدولة والوراك شبه مخدة يتخدها الراكب تحت وركه، يتورك عليها.

يقول: كم دون الثوية من حبيب حلو الريق إذا وصلت إليه يقبل الناقة ومخدتي التي هي على الناقة.

يحرّم أن يمسّ الطّيب بعدي ... وقد علق العبير به وصاكا

صاك به: أي لصق به.

يقول: هذا الحبيب قد حرم على نفسه أن يمس الطيب بعد غيبتي عنه، وهو مع ذلك طيب الجسم، كأن العبير لصق به، وهو من قول امرئ القيس:

وجدت بها طيباً وإن لم تطيّب

والمصراع الأول من قول الآخر:

فيا ليل إن الغسل ما دمت أيّما ... عليّ حرامٌ لا يمسّني الغسل

ويمنع ثغره من كلّ صبٍّ ... ويمنحه البشامة والأراكا

البشام: شجر يتخذ منه المساويك، وكذلك الأراك. والهاء في يمنحه للثغر.

يقول: هذا الحبيب يمنع ثغره من كل من يشتاق إليه، فلا يمكنه من تقبيله ورشفه، ومع ذلك يجود بثغره على مساويك البشام والأراك. يصفه بالعفة.

يحدّث مقلتيه النّوم عنّي ... فليت النّوم حدّث عن نداكا

يقول: إن الحبيب العذب الرضاب، إذا نام رآني في النوم، فليته رأى في النوم ما حبوتني به من المال والإكرام، فيعذرني في فراقي له.

وأنّ البخت لا يعرقن إلاّ ... وقد أنضى العذافرة اللّكاكا

البخت: جمع البختي، ويعرقن: من قولهم أعرق الرجل، إذا أتى العراق. والعذافرة: الناقة الشديدة. وقيل: الشحيمة. واللكاكا: جمع لكيك، وهو الكثير اللحم وروى بضم اللام، فيكون صفة لواحدة وفاعل أنضى ضمير الندى.

يقول: وليت النوم أخبره أن البخت لا تصل إلى العراق، إلا وقد أنضى نداه النياق بثقله وكثرته.

وما أرضى لمقلته بحلمٍ ... إذا انتهبت توهّمه ابتشاكا

الابتشاك: الكذب. وتوهمه: أي تتوهمه المقلة، فحذف تاء التأنيث، والهاء في مقلته لعذب الرضاب، وفي توهمه للحلم.

لما قال: ليت النوم حدث عن نداك رجع وقال: لا أرضى أن يرى في النوم ما أنا عليه من الشرف؛ لأنه إذا انتبه من نومه توهمه كذباً، وعده من أضغاث الأحلام والأماني الباطلة.

ولا إلاّ بأن يصغي وأحكي ... فليتك لا يتيّمه هواكا

أي لا أرضى بأن يرى ذلك في النوم، وإنما أرضى بأن أحكى له وهو يسمع، فليته لا يصير متيما بحبك فينصرف عني ولم يعشقك من وصفي مكارمك وإحسانك.

وكم طرب المسامع ليس يدري ... أيعجب من ثنائي أم علاكا؟!

يقول: كم من سامع يطربه ثنائي عليك، فلا يدري: أمدحي لك أحسن، أم علاك؟ إذ كل واحد منهما يطرب.

وذاك النّشر عرضك كان مسكاً ... وذاك الشّعر فهرى والمداكا

النشر: الرائحة الطيبة، والفهر: الحجر قدر ملء الكف. والمداك: حجر مبسوط يسحق عليه الطيب.

<<  <   >  >>