للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: يا من أنساني هذه الأماكن لجوده، وإن كانت منشأي ومألفي، ويا من أنساني والدتي فلا أشتاقها؛ لأن عطاءك شغلني عن جميع ذلك.

قد استقصيت في سلب الأعادي ... فرد لهم من السلب الهجوعا

السلب: يجوز أن يكون الشيء المسلوب، ويجوز أن يريد به: المصدر، فيجوز فيه فتح اللام وإسكانها.

يقول: قد سلبت أعداءك كل شيء حتى النوم، فرد عليهم من جملة هذا السلب النوم. يعني: أنهم من خوفهم منك أن تسلبهم نفوسهم، لا ينامون، فأمنهم ليناموا.

إذا ما لم تسر جيشاً إليهم ... أسرت إلى قلوبهم الهلوعا

تسر: مضارع أسار يسير إسارة، وسار وهو يسير سيراً والهلوع: أسوأ الجزع.

يقول: إذ لم تسير جيشك إليهم، وتركت قتالهم فقد سيرت إلى قلوبهم الجزع والخوف، فكأنك قد سيرت إليهم الجيش؛ لأن خوفهم منك يقوم على حقهم مقام الجيش.

رضوا بك كالرضا بالشيب قسراً ... وقد وخط النواصي والفروعا

وخط: إذا ظهر واختلط البياض بالسواد، وأراد بالنواصي: شعرها. والفروع: الذوائب.

يقول: إنهم رضوا بك كارهين كرضاهم بالشيب إذا خالط شعر النواصي وسائر الفروع، فكما أن الشيب غير محبوب إلى كل أحد، فكذلك حالهم في رضاهم بك.

فلا عزلٌ وأنت بلا سلاحٍ ... لحاظك ما تكون به منيعا

العزل: هو فقد السلاح. من قولهم: رجل أعزل. وما؛ بمعنى الذي. كأنه قال: لحاظك الشيء الذي يكون به منيعاً. والهاء في به عائد إلى ما، والمنيع: الممنوع الجانب.

يقول: ليس فقدك السلاح بعزل؛ لأن لحاظك إذا نظرت إلى عدوك تغني عن السلاح، فصرت بالملاحظة منيعاً ذا سلاح.

لو استبدلت ذهنك من حسام ... قددت به المغافر والدروعا

الهاء في به: للذهن.

يقول: لو جعلت ذهنك بدلاً من سيفك، لقطعت به المغافر والدروع. يصفه بحدة الذهن وجودة الخاطر.

لو استفرغت جهدك في قتالٍ ... أتيت به على الدنيا جميعا

يقول: لو بذلت جهدك وقدرتك في القتال، لأتيت على جميع أهل الدنيا ولأفنيتهم، حتى لا تبقى الدنيا ولا أهلها.

سموت بهمةٍ تسمو فتسمو ... فما تلفي بمرتبةٍ قنوعا

التاء في تسمو الأول: للخطاب، والثاني: للهمة. أي تسمو أنت وتسمو همتك بسموك. ويجوز أن يكون: الأول للهمة، والثاني: للخطاب. أي تسمو همتك فتسمو أنت بسمو همتك. ويجوز أن يكونا للهمة أي تسمو همتك إلى درجة فما ترضى بها، فتسمو إلى ما فوقها. فما تلفى أنت أو همتك بمرتبة قنوعا، أي لا يرضى بمرتبة نالها بل يطلب فوقها.

وهبك سمحت حتى لا جوادٌ ... فكيف علوت حتى لا رفيعا؟!

الألف في رفيعا: ألف الإطلاق؛ لأن النكرة المنفية بلا تنصب بلا تنوين.

يقول: أحسب أنك بجودك علوت أقرانك حتى لا نظير لك فيه، فكيف قدرت على السمو والارتفاع حتى لا يبقى رفيع غيرك؟! وقال البخاري: يجوز أن يكون بلا من التنوين، لأن لا إذا تكررت يجوز فيها هذا الوجه نحو قولك: لا حول ولا قوة.

وقال أيضاً يمدحه أي علياً بن إبراهيم التنوخي، ويصف بحيرة طبرية:

أحق عافٍ بدمعك الهمم ... أحدث شيء عهداً بها القدم

العافي: الدارس. والهمم: مبتدأ. وأحق: خبره.

يقول: إن أحق دارس بالبكاء عليه، همم الناس الدارسة، فهي أولى بالبكاء لدروسها، من الأطلال الدارسة. وقوله: أحدث شيء عهداً بها القدم: أي أنها قد تقادمت، فأحدث شيء بها القدم: أي صار أقربها عهداً قديماً. وقيل: أراد بالعافي: الطالب. والمعنى: أن الهمم أحق طالب بأن يبكى عليه. فكأنه يقول: أعرض عن البكاء على الأطلال، وابك على الهمم. وهو مأخوذ من قول أبي نواس:

صفة الطلول بلاغة القدم ... فاجعل صفاتك لابنه الكرم

وإنما الناس بالملوك وما ... تفلح عربٌ ملوكها عجم

يقول: إنما عز الناس، وهممهم بالملوك، فما تفلح العرب إذا كانت ملوكها عجم؛ لأنهم لا همم لهم، وهم إذا رضوا بذلك فقد دنوا، فلا يرجى لهم فلاح.

لا أدبٌ عندهم ولا حسبٌ ... ولا عهودٌ لهم ولا ذمم

بكل أرضٍ وطئتها أممٌ ... ترعى بعبدٍ كأنها غنم

الذمم: جمع الذمة، وهي الحرمة. يعني: أن العجم ليس لهم حرمة.

<<  <   >  >>