للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تامًا بدون العمل الظاهر، وهذا يقول به جميع المرجئة.

والثالث: قولهم: كل من كفره الشارع فإنما كفره لانتفاء تصديق القلب بالرب تبارك وتعالى، وكثير من المتأخرين لا يميزون بين مذاهب السلف وأقوال المرجئة والجهمية؛ لاختلاط هذا بهذا في كلام كثير منهم، ممن هو في باطنه يرى رأي الجهمية والمرجئة في الإيمان، وهو معظم للسلف وأهل الحديث فيظن أنه يجمع بينهما، أو يجمع بين كلام أمثاله وكلام السلف.

قال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي: وقالت طائفة ثالثة وهم الجمهور الأعظم من أهل السنة والجماعة، وأصحاب الحديث: الإيمان الذي دعا الله العباد إليه وافترضه عليهم هو الإسلام الذي جعله دينًا وارتضاه لعباده ودعاهم إليه، وهو ضد الكفر الذي سخطه فقال: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: ٧] ، وقال: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: ٣] ، وقال: {فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ} [الأنعام: ١٢٥] ، وقال: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} [الزمر: ٢٢] ، فمدح الله الإسلام بمثل ما مدح به الإيمان، وجعله اسم ثناء وتزكية، فأخبر أن من أسلم فهو على نور من ربه وهدى، وأخبر أنه دينه الذي ارتضاه، وما ارتضاه فقد أحبه وامتدحه، ألا ترى أن أنبياء الله ورسله رغبوا فيه إليه وسألوه إياه، فقال إبراهيم وإسماعيل: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ} [البقرة: ١٢٨] ، وقال يوسف: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: ١٠١] ، وقال: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٢] ، وقال: {وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ} [آل عمران: ٢٠] ، وقال في موضع آخر: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ} [البقرة: ١٣٦، ١٣٧] فحكم الله بأن من أسلم فقد اهتدى، ومن آمن فقد اهتدى، فسوى بينهما.

<<  <   >  >>