للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: وقد ذكرنا تمام الحجة في أن الإسلام هو الإيمان، وأنهما لا يفترقان ولا يتباينان في موضع غير هذا، فكرهنا إعادته في هذا الموضع كراهة التطويل والتكرير، غير أنا سنذكر من الحجة ما لم نذكره في غير هذا الموضع، ونبين خطأ تأويلهم، والحجج التي احتجوا بها من الكتاب والأخبار على التفرقة بين الإسلام والإيمان.

قلت: مقصود محمد بن نصر المروزي رحمه الله: أن المسلم الممدوح هو المؤمن الممدوح، وأن المذموم ناقص الإسلام والإيمان، وأن كل مؤمن فهو مسلم، وكل مسلم فلابد أن يكون معه إيمان، وهذا صحيح، وهو متفق عليه، ومقصوده أيضًا أن من أطلق عليه الإسلام أطلق عليه الإيمان، وهذا فيه نزاع لفظي، ومقصوده أن مسمى أحدهما هو مسمى الآخر، وهذا لا يعرف عن أحد من السلف. وإن قيل: هما متلازمان، فالمتلازمان لا يجب أن يكون مسمى هذا هو مسمى هذا، وهو لم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا أئمة الإسلام المشهورين أنه قال: مسمى الإسلام هو مسمى الإيمان كما نصر، بل ولا عرفت أنا أحدًا قال ذلك من السلف، ولكن المشهور عن الجماعة من السلف والخلف أن المؤمن المستحق لوعد الله هو المسلم المستحق لوعد الله، فكل مسلم مؤمن، وكل مؤمن مسلم، وهذا متفق على معناه بين السلف والخلف بل وبين فرق الأمة كلهم يقولون: إن المؤمن الذي وعد بالجنة لابد أن يكون مسلمًا، والمسلم الذي وعد بالجنة لابد أن يكون مؤمناً، وكل من يدخل الجنة بلا عذاب من الأولين والآخرين فهو مؤمن مسلم.

ثم إن أهل السنة يقولون: الذين يخرجون من النار ويدخلون الجنة معهم بعض ذلك، وإنما النزاع في إطلاق الاسم، فالنقول متواترة عن السلف بأن الإيمان قول وعمل، ولم ينقل عنهم شيء من ذلك في الإسلام، ولكن لما كان الجمهور الأعظم يقولون: إن الإسلام هو الدين كله، ليس هو الكلمة فقط خلاف ظاهر ما نقل عن الزهري، فكانوا يقولون: إن الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك من الأفعال المأمور بها هي من الإسلام كما هي من الإيمان،

<<  <   >  >>