وكذلك [الشهيد] ، قد جعل هنا قرين الصديق والصالح، وقد قال:{وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}[الزمر: ٦٩] . ولما قيدت الشهادة على الناس وصفت به الأمة كلها في قوله:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة: ١٤٣] ، فهذه شهادة مقيدة بالشهادة على الناس، كالشهادة المذكورة في قوله:{لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء}[النور: ١٣] ، وقوله:{وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ}[البقرة: ٢٨٢] . وليست هذه الشهادة المطلقة في الآيتين، بل ذلك كقوله:{وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء}[آل عمران: ١٤٠] .
فصل
وكذلك لفظ [المعصية] و [الفسوق] و [الكفر] ، فإذا أطلقت المعصية لله ورسوله دخل فيها الكفر والفسوق، كقوله:{وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}[الجن: ٢٣] ، وقال تعالى:{وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}[هود: ٥٩] ، فأطلق معصيتهم للرسل بأنهم عصوا هودًا معصية تكذيب لجنس الرسل، فكانت المعصية لجنس الرسل كمعصية من قال:{فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ}[الملك: ٩] ، ومعصية من كذب وتولى، قال تعالى:{لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[الليل: ١٥، ١٦] ، أي: كذب بالخبر، وتولي عن طاعة الأمر، وإنما على الخلق أن يصدقوا الرسل فيما أخبروا، ويطيعوهم فيما أمروا. وكذلك قال في فرعون:{فَكَذَّبَ وَعَصَى}[النازعات: ٢١] ، وقال عن جنس الكافر:{فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[القيامة: ٣١، ٣٢] . فالتكذيب للخبر، والتولي عن الأمر. وإنما الإيمان