للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تصديق الرسل فيما أخبروا، وطاعتهم فيما أمروا، ومنه قوله: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: ١٥، ١٦] .

ولفظ [التولي] بمعنى التولي عن الطاعة مذكور في مواضع من القرآن، كقوله: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: ١٦] ، وذمه في غير موضع من القرآن من تولى، دليل على وجوب طاعة الله ورسوله وأن الأمر المطلق يقتضى وجوب الطاعة، وذم المتولى عن الطاعة؛ كما علق الذم بمطلق المعصية في مثل قوله: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} . وقد قيل: إن [التأبيد] لم يذكر في القرآن إلا في وعيد الكفار؛ ولهذا قال: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: ٩٣] . وقال فيمن يجور في المواريث: {وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: ١٤] . فهنا قيد المعصية بتعدي حدوده، فلم يذكرها مطلقة، وقال: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١] ، فهي معصية خاصة، وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ١٥٢] ، فأخبر عن معصية واقعة معينة، وهي معصية الرماة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث أمرهم بلزوم ثغرهم، وإن رأوا المسلمين قد انتصروا، فعصى من عصى منهم هذا الأمر، وجعل أميرهم يأمرهم لما رأوا الكفار منهزمين، وأقبل من أقبل منهم على المغانم. وكذلك قوله: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: ٧] ، جعل ذلك ثلاث مراتب. وقد قال: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: ١٢] ، فقيد المعصية؛ ولهذا فسرت بالنياحة، قاله ابن عباس، وروي ذلك مرفوعًا. وكذلك قال زيد بن أسلم: لا يدعن ويلاً، ولا يخدشن وجهًا، ولا ينشرن شعرًا، ولا يشققن ثوبًا، وقد قال بعضهم: هو جميع ما يأمرهم به الرسول من شرائع الإسلام وأدلته كما قاله أبو سليمان الدمشقي. ولفظ

<<  <   >  >>