أما أهل الكلام فلا يؤمنون بالعرش بل يؤولونه بتأويلات فاسدة. وكذلك يحرفون معنى الاستواء، فقوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(طه:٥) ما من كلمة من هذه الآية إلا وقد حرفها هؤلاء، ولهم شبه بها يجحدون الاستواء، من أعظمها: لو كان الله مستوياً على العرش للزم أن يكون محتاجاً إليه. وأساس هذه الشبهة قياس الخالق بالمخلوق وفهم الصفة المضافة إلى الله على ضوء فهم الصفة المضافة إلى المخلوق. فهم وجدوا أن المخلوق إذا استوى على شيء يكون محتاجاً إليه كما قال تعالى:{وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ. لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ}(الزخرف:١٢،١٣) ، فلو غرق الفلك لغرق من عليه ولو سقطت الدابة لسقط من عليها، فدل على احتياجه إلى الفلك والأنعام وإلى كل ما يستوي عليه، ثم جاءوا إلى قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(طه:٥) ولم يفهموا من الاستواء المضاف في الآية إلى الله إلا عين استواء المخلوق وقالوا يلزم من إثبات ذلك احتياجه إلى العرش، فبناء على هذه الشبهة التي في عقولهم، نفوا استواء الله على العرش، وبعد ذلك هم أمام أحد خيارين: إما أن يقولوا الله ليس فوق ولا تحت ولا داخل العالم ولا خارجه، وإما أن يقولوا الله في كل مكان، فهم فروا من شر ثم وقعوا في شرور أعظم وبلاء أشد.
وعوداً على مرتكب الكبيرة فالقول الحق فيه أنه لا يكفر، ولا يقال إنه مؤمن كامل الإيمان، وإنما يقال مؤمن بإيمان فاسق بكبيرته أو يقال مؤمن ناقص الإيمان.