للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ورغم سعة هذه الدولة وترامى أطرافها، واختلاف أجناس وعادات وأعراف سكانها، فقد عم فيها خير العمل بالقرآن الكريم فعاش الناس في أمن واطمئنان وعز ورخاء فازدهرت الحركة العلمية فاستنارت عقول الناس وانتعش الاقتصاد فارتاحت من ضنك العيش حتى قال قائلهم وقد أظلته سحابه، اذهبي فحيثما أمطرت فخراجك لنا (١) فذابت فوارق العادات وانصهر اختلاف الرغبات في بوتقة العمل بالقرآن الكريم، حتى أصبح سلوك العربي والعجمي واحداً، يعبدون رباً واحداً، ويستسلمون لأمره ويبتعدون عن نهيه، فعاش الناس في ظل العمل بالقرآن الكريم في أرغد عيش في معاشهم، مع ما ينتظرون من سعادة عند الله تعالى في ميعادهم.

ولم يكن الله تعالى ليغير ما بقوم حتى يكونوا هم الذين يغيرون على أنفسهم سنة الله تعالى التي لا تتبدل ونظامه الذي لا يتحول كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الأنفال: ٥٣)

وقال تعالى: {سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً} (الفتح: ٢٣) .

وقد بدأ الإسلام - دينُ القرآن الكريم - رحلة اغتراب عن المسلمين، منذ أن بدؤوا هم في الاغتراب عنه واستمر البون بينهما يتسع والشق بين الإسلام والمسلمين يزيد فلا يرتقع، بقدر بعدهم عن القرآن الكريم، شيئاً فشيئاً حتى آل أمرهم إلى ما ترى، بان فيه صبح الحقيقة لذى عينين، فأصبحت دولة الإسلام دويلات، حين حلت الأنانية حباً للمناصب محل إنكار


(١) تروى عن الخليفة هارون الرشيد وهي مشتهرة على ألسنة المؤرخين.

<<  <   >  >>