للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمسلمين على أخذهم الفداء من الأسرى، فقال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:٦٧-٦٨] . وعلى ضوء هذه الثوابت يكون الرأي والاجتهاد منه عليه الصلاة والسلام مصيبا لأنّه مسدّد بالوحي فيأخذ حكمه، وتكون الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن الرسول صلى الله عليه وسلم "لا يقع فيما يجتهد فيه خطأ أصلا" (١) . خطب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يوما فقال: "يا أيها الناس! إنّ الرأي إنّما كان من رسول الله مصيبا لأنّ الله عزّ وجلّ يريه، وإنّما هو منّا الظنّ والتكلّف".

وبذلك يتبيّن لنا أنّ ثبوت الاجتهاد للنبيّ صلى الله عليه وسلم لا يتعارض مع ما قرّره العلماء من أنّ اجتهاده وسائر عناصر سنّته من الوحي، اللهم إلا بعض قضايا معيشيّة كتأبير النخل ونحوه ممّا لا يتعلّق بالحلال والحرام والعقائد والمغيّبات، فهذه قد أجاب عنها النبيّ الكريم بنفسه كما هو ثابت في حديث رافع بن خديج الذي رواه مسلم: "إنّما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فأنا بشر" (٢) ، فهذه تجارب يعيشها الرسول صلى الله عليه وسلم بوصفه بشرا عاديّا كتلك التي يكابدها سائر الناس في حياتهم اليوميّة، فلا صلة لها بالوحي.

وقبل استعراض الأدلّة النقليّة والعقليّة على أنّ السنّة النبويّة وحي، لا بدّ


(١) انظر فتح الباري ١٣/ ٣٠٥.
(٢) ٤/١٨٣٥ - ١٨٣٦ الحديث عدد ٢٣٦٢.

<<  <   >  >>