بعد فقد تبيّن لنا ممّا تقدّم أنّ ظاهرة الوحي ممكنة الحدوث، وأنّ تواتر أخبار الرسالات السماويّة، وما توصّل إليه العديد من الفلاسفة والعلماء والمفكّرين تثبت أنّ الوحي ضرورة حتميّة حتى يهدي الله به البشر عن طريق الرسل إلى الحقائق الغيبيّة التي كثيرا ما يستعصي فهمها على الناس، وأمّا ما جنح ويجنح إليه المادّيّون والملاحدة وأتباع المذهب الوضعيّ [Le positivisme] من إنكار الوحي وعالم الغيب عامّة فلا يعتدّ به؛ لأنّ آراءهم لا تستند إلى دليل عقليّ منطقيّ وتتعارض مع طبيعة الإنسان وما فطر عليه من الإيمان بالله وبعالم الغيب.
أمّا ما سقناه من أدلّة قرآنيّة ومن أدلّة من السنة النبويّة وما استعرضناه من أخبار غيبيّة تنبّأ الرسول صلى الله عليه وسلم بوقوعها وتحقّقت، أو ما ذكرناه من أحاديث تضمّنت إشارات علميّة دقيقة ومعقّدة تحقّق فيها الإعجاز العلميّ، فهي كلّها تثبت أنّ السنّة في مجملها وحي من الله وأنّ الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم موصول بربّه عن طريقه.
وإذا كانت السنّة وحيا، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم معصوما من الخطإ فإنّ كلّ ما صحّ صدوره عنه صدق وحقّ، واجب الأخذ به والعمل بأحكامه، أو بما يمكن أن يستنبط منه من أحكام شرعيّة. ونظرا إلى أنّ السنّة دين وشريعة فقد حرّم الكذب والتزيّد فيها، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم:"من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار"(١) .
(١) صحيح البخاريّ - العلم - باب إثم من كذب على النبيّ (- فتح الباري ١/٢٤٣ حديث ١٠٨.