يحفظون القرآن، إلا أنهم في حفظها يتفاوتون، فمنهم من يحفظها بلفظها ومعناها فيؤديها كذلك، ومنهم من يحفظها بالمعنى، فيؤدي معناها بألفاظه هو، ومنهم من يزاوج بينهما، ويجمعهم جميعاً همٌّ واحد، ضعوه نصب أعينهم عند الأداء، وهو أن كل ماشك فيه، أولم يتحققه المتلقي، أو خاف أن يكون قد سها فيه، فإنه يسقطه، ولا يضيفه للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يرويه، وبهذا طمأنت الأمة إلى أن كل ما وصلنا عنهم بطريقة مقبولة، مما أسندوه للمعصوم صلى الله عليه وسلم فهو حق، وصدق، لأنهم لا يستجيزون أن يقولوا عليه مالم يقل، لعلمهم بالوعيد الشديد الوارد في ذلك.
(٢) المذاكرة: فقد كانوا يذاكرون الحديث، ويراجعون محفوظهم منه، وينشرونه بينهم، فكان الحاضر يخبر الغائب، والذاكر ينبه الناسي، فانتشرت السنة بينهم بالمذاكرة، وعم أريجها بينهم بالتطبيق، ووصلوا في حرصهم على حفظ السنة وتلقيها من مشكاة النبوة، أنهم كانوا يتناوبون على مجالسها، مخافة أن يفوتهم شيء منها، ومنهم من نذر نفسه للحضور في كل المجالس حتى لا يفوته شيء، كما كان من أبي هريرة وغيره.
(٣) الكتابة: فقد كان جماعة من الصحابة يكتبون ما سمعوا من رسول لله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث في صحائف لهم، وأورثوها من بعدهم، وكانت هذه الصحف ذائعة منتشرة في زمانهم، خلافا لما يأفكه المستشرقون الذين يزعمون أن شيئا من السنة لم يدون في عهده صلى الله عليه وسلم، وهذه الصحف التي وصلت إلينا بأدق الموازين العلمية، تفضحهم.
(٤) الرحلة في طلب الحديث: وهذه قد أبدعها المسلمون، فلم يكن في أمة من الأمم غير المسلمين، الاغتراب في جمع أقوال أنبيائهم، وتصنيفها،