[المبحث الثالث: بسط أدلة القول بأن السنة وحي كالقرآن]
لا يعرف نبي غير محمد صلى الله علية وسلم أحيطت سيرته وسنته باعتناء كبير، وأحصيت إحصاء دقيقا، ودونت بأدق التدوين، وقد هيأ الله عز وجل لحفظ السنة عوامل كثيرة، داخلة في أقدار الله تعالى التي أوجدها لحفظ ذكره وحفظ بيان الذكر. ذلك أن المسألة معقولة ومرتبطة، ووجه تعليقها أن القرآن الكريم مرتبط بشخص النبي صلى الله عليه وسلم من جهة تلقيه عن الله تعالى وإبلاغه للأمة كما تلقاه، لفظا ومعنى، وجهة تفويض الله تعالى له أن يبين للناس مراده منه.
من هاتين الجهتين، نشأت علاقة ارتباط بين القرآن والسنة، أشبه بعلاقة القرابة التي لا يمكن فصلها أو فصمها، فمن حاول الاستدلال بالقرآن بمعزل عن السنة، أو الاستدلال بالسنة بمعزل عن القرآن، كمن حاول التفريق بين أغصان الشجرة وأصلها، وبين القريب وقريبه، وكلُّ محاولة للاستغناء بأحدهما عن الآخر، فإنما هو ضربة لازب، وسير في عماية، وخروج عن النهج المستقيم، ذلك أن السنة صنو القرآن وقرينته في الاستدلال والاحتجاج، والله تعالى تكفل بحفظهما معا في قوله:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:٩] والذكر يشملهما معا، والعوامل التاريخية الواقعية دالة على ذلك، وأهمها أربعة:
(١) الحفظ في الصدور: فقد كان الصحابة –رضوان الله عليهم- يتلقون منه صلى الله عليه وسلم سنته فيعونها ويحفظونها في صدورهم، كما كانوا