للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل كانت تقول بوجود توحيد غامض (vague monotheism) عند أتباع محمد، ثم أخذ الإلحاح يشتد على وجود إله واحد مع اشتداد النقد لعبادة الأصنام" (١) ، ويدعي أن التوحيد: "لم يكن في الأصل واضح المعالم وبخاصة لم يُبت في أمر اعتبار الكائنات الأقل أهمية [الأصنام] لا تتفق معه تماماً (٢) ، ويقول وات بتدرج تطور التوحيد.

واستقراء وات هنا ليس إلا إسقاطاً للنظرة الغربية فيما يتعلق بتطور الأديان على وقائع الدعوة المحمدية، وإيهاماً بأن الرسول لم يكن يدرك حقيقة أبعاد دعوته صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه.

وإذا كان القرآن لم يحاول مهاجمة الوثنية على حد زعمه فماذا عن سورة "الكافرون"، وماذا تعني الآيات: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ, أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: ٤-٥] {إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} [الأنبياء: ٣٦] ، أليس فيها دليل على وقوع خلاف بين محمد صلى الله عليه وسلم والمشركين حول مفهوم التوحيد ووجوب عبادة الله وحده دون إشراك، ثم ماذا عن سورة الإخلاص، وما فيها من تكريس لهذا المفهوم ونفي مطلق للشرك؟

لقد كانت الفكرة الجوهرية للدعوة الإسلامية منذ البداية هي عقيدة


(١) مونتقمري وات، Muhammad at Mecca، ص ٦٣.
(٢) مونتقمري وات، المرجع السابق، ص ١٠٤.

<<  <   >  >>