للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأنصار (١) ، ولكن ما ينعكس منها على الموسوعة هو الإيحاء بأن الأنصار حين قبلوا محمدا رسولا، وحين نظموا مجيئه إلى المدينة لم يعترفوا له صراحة بحقه في أن يحكم بينهم، وأن محمداً [صلى الله عليه وسلم] اكتفى بأن ينظر إليه على أنه رسول، ولم يطالب بأي امتياز آخر، وأن الطاعة لم تكن واجبة صراحة في الصحيفة التي عرفت فيما بعد بدستور المدينة.

هذا ادعاء زائف غير مدعوم بالوقائع لا يلبث أن ينقشع أمام حقائق التاريخ، فإذا ما رجعنا إلى البنود الستة لبيعة العقبة الأولى بين الأنصار والرسول صلى الله عليه وسلم وجدنا من بينها ما ينص على الطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم دون حصر الطاعة في أي إطار سواء أكان دينيا أم سياسيا، فهي طاعة مطلقة، وكذلك أكدت بيعة العقبة الثانية هذا، وزادت النصرة التامة في جميع الظروف، فكيف يسوغ الزعم بأن الأنصار لم يدينوا للرسول صلى الله عليه وسلم سياسياً إذا كانت الطاعة غير المشروطة بنداً ثابتاً في البيعتين؟ وماذا تعني "الطاعة التامة" في نظر وات؟ (٢) وشدة إعجاب الأنصار بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وتصورهم لمكانته القيادية تظهر في قولهم له عندما دعاهم إلى الإسلام: "إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، وعسى الله أن يجمعهم بك، وسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك، فلا رجل أعز منك" (٣) .


(١) مونقمري وات، Muhammad at Medina، ص ٢٢٨ - ٢٣٨.
(٢) تاريخ الطبري، ٢/٣٥٦ – ٣٦٣.
(٣) الطبري، المرجع السابق، ٢/٣٥٤.

<<  <   >  >>