سبقوه من الرسل، يقول تعالى:{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}[الصف: ٦] ، فإذا كان هناك قدر ما من التلاقي بين رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وما دان به اليهود في المدينة فهذا ليس لأنه صلى الله عليه وسلم تأثر به أو سرق أفكارهم، إضافة إلى أن هذا القدر من التلاقي كان ضئيلاً جداً ولا يحتمل كل هذا التضخيم من المستشرقين، فأهل الكتاب حتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا بعيدين جداً عن جادة الدين الحق، يقول تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً}[النساء:٥١] . وهناك بون شاسع بين أن يكون القرآن {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}[المائدة: ٤٨] وأن تكون الرسالة التي نزل بها مطابقة تماما لرسالات الأنبياء السابقين، وإلا فما الفائدة من إرسال رسول برسالة جديدة؟.
وأما فيما يخص قول وات بأن الرسول أيقن من عدم اتباع اليهود له وهاجمهم واتهمهم بالتحريف وادعى أنه على دين إبراهيم، فهو كلام مردود؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كان حريصاً على أن يدخل الناس كافة في هذا الدين، يهوداً كانوا أم غير ذلك، إلا أنه لم يجبر اليهود على الدخول في الإسلام، وهذا هو موقف الإسلام من أهل الكتاب خاصة، ولا مجال لزعم وات من أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ادعى أنه على دين إبراهيم بعد أن أخذ اليهود يبرزون الفروق بين اليهودية والإسلام، فالمعروف أن القرآن المكي أشار بوضوح إلى