العلاقات بين المسلمين والمشركين بعد الهجرة. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، في تقدير وات، يعلم أن هذه السرية قد يترتب عليها قتال في الشهر الحرام وهو رجب، وكان موافقاً على القتال لو حدث، وحدث القتال فعلاً وأسفر عن قتل أحد المشركين، وهنا فوجئ الرسول بما لم يكن يتوقعه من ردود أفعال حادة من قبل المسلمين في المدينة، فدفعه ذلك إلى أن يتظاهر، كما يدعي وات، أنه لم يكن موافقا على ما حدث، ورفض توزيع الغنائم، وأن يأخذ نصيبه منها.
وعرض وات لأحداث سرية نخلة يحتاج إلى مراجعة جذرية، إذ يزعم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن هذه السرية قد يترتب عليها قتال في شهر حرام، وهو رجب، وكان موافقاً على ذلك، وهذا زعم لا يستند إلى برهان تاريخي، فإذا رجعنا إلى نص الكتاب الذي سلمه الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن جحش رضي الله عنه وفقاً لما يرويه الطبري وابن هشام نجد أن فيه أمراً بالاستطلاع فقط، ولم يفوضهم بالقتال:"إذا نظرت في كتابي هذا فسر حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصّد بها قريشاً وتعلّم أخبارهم"(١) ، والترصد هنا معناه الترقب كما يتضح تماماً من السياق، والحقيقة أنّ ما حدث كان سوء تقدير ناجم من اجتهاد شخصي، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يسمح لهم بذلك وأنكر عليهم ما فعلوا ومنع التصرف في العير والأسيرين.
ووجد المشركون فيما حدث فرصة لاتهام المسلمين بأنهم قد أحلُّوا ما حرمت العهود والمواثيق العربية، وكثر القيل والقال، حتى نزل وحي حاسم لهذه الأقاويل {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ
(١) ابن هشام، سيرة النبي، ٢/٢٣٩؛ وتاريخ الطبري، ٢/٤١١.