للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والثالث: أن التأويل هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به، وهذا هو اصطلاح كثير من المتأخرين من المتكلمين في الفقه وأصوله.

وهذا التأويل في كثير من المواضع، أو أكثرها وعامتها من باب تحريف الكلم عن مواضعه١.

وجميع هذه الأنواع تناولها الشيخ ابن سعدي في مؤلفاته، وقد تقدم معنا ذمه للنوع الأخير، وأما النوع الأول والثاني فقد قال عنهما: "وأما التأويل الذي يراد به تفسير مراد الله ومراد رسوله بالطرق الموصلة إلى ذلك فهذه طريقة الصحابة والتابعين لهم بإحسان وهي التي أمر الله ورسوله بها ومدح أهلها.

وكذلك التأويل الذي هو بمعنى ما يؤول إليه الأمر من العمل بأمر الله ومن فهمه ما يؤول إليه الخبر فلفظ التأويل في الكتاب والسنة الغالب عليه هذان الأمران.... إلى أن قال: فتبين أن التأويل الصحيح كله يعود إلى فهم مراد الله ورسوله وإلى العمل بالخبر وأن التأويل الباطل يراد به ضد ذلك ويراد به صرف النصوص عن معناها الذي أراده الله ورسوله إلى بدعهم وضلالهم وهو من أعظم ما يدخل في القول على الله بلا علم"٢.

وهذا النوع الأخير تقدم معنا في كلام شيخ الإسلام أن عامته باطل؛ لذلك فإن هناك شروطاً لمن ادعى هذا النوع من التأويل إن توفرت في تأويله كان صحيحاً وإلا فهو من التأويل الباطل.

وهي أربعة شروط ذكرها الشيخ ابن سعدي في توضيح الكافية الشافية:

(أحدها) : أن يأتي بدليل يدل على قوله؛ لأنه خلاف الأصل فإن الأصل حمل اللفظ على ظاهره وحقيقته فمن ادعى خلاف ذلك فعليه البرهان، فإذا أتى بدليل طولب بأمر (ثاني) : وهو أن ذلك الذي تأوله إلى ذلك المعنى يحتمله؛ لأنه لا بد أن يكون بين الألفاظ والمعاني ارتباط وتناسب؛ لأنه باللسان العربي أنزله الله ليعقله العباد إذا تدبروا ألفاظه فهل يمكن أن يعقلوا أو يفهموا ما ليس له ارتباط ودلالة على المعاني من ذات اللفظ ونفس العبارة بحيث لا يحتاجون إلى أمور خارجية فإذا أتى بما يدل ويحتمل ذلك المعنى الذي عينه وهيهات له ذلك طولب بأمر (ثالث) : وهو تعيينه المعنى الذي تأول اللفظ له فهب أن ظاهره غير مراد فلا بد من دليل يعين المعنى الذي صرفه إليه ويخصصه به فإن التخصيص من دون دليل من باب التكهن والتخرص؛ لأن اللفظ


١ الرسالة التدمرية /٢٩، الفتاوى /١ ص ٦٨، ٦٩.
٢ توضيح الكافية الشافية /٥٤، ٥٥، وانظر الفتاوى السعدية /١١٩، ١٢٠.

<<  <   >  >>