للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لا يدل عليه بخصوصه، فقد يكون القصد به معنى غير الذي عينوه، وقد يكون اللفظ متعبداً بتلاوته ولفظه مجرداً عن المعاني وهو أولى من تحريفهم أو إتيانهم بمعان ما أنزل الله بها من سلطان، وإن كان الأمران ينافيان حكمة الباري لكن التعبد أهون من التحريف.

فإن فرض أنه تأول على غير ظاهره وأتى بدليل على الاحتمال وعلى التعين طولب بأمر (رابع) وهو الجواب عن المعارض؛ لأن الدعوى لا تتم إلا بذلك.

والمعارض للنفي هو جميع الأدلة النقلية من الكتاب والسنة والأدلة العقلية والفطرة"١.

ويلاحظ أن هذه الشروط عسيرة ولا يمكن توفرها في تأويلاتهم الباطلة وبهذا يفهم قول شيخ الإسلام المتقدم عن هذه التأويلات أن عامتها باطلة.

والمقصود أن الشيخ ابن سعدي كغيره من علماء أهل السنة يرى فساد هذا النوع من التأويل وبطلانه، وأما النوعان الأولان فقد بين أنهما صحيحان وأنهما متعارف عليهما عند السلف الصالح.

ولذلك قال عند تفسيره لقوله تعالى:

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} ٢.

" التأويل يطلق بمعنى التفسير والعلم به، ويطلق بمعنى بيان الحقيقة التي يؤول إليها الأمر، فإن كان الأول فيكون قوله (والراسخون) معطوفاً على قوله (إلا الله) وعلى هذا فإن معناه أن المتشابه هو ضد المحكم.

وهو الذي فيه احتمالات، فالرسخون في العلم يفهمونه ويرجعونه إلى المحكم، فالنص الصريح يقضي على النص الذي فيه عدة احتمالات.

وإن كان الثاني: فالتأويل الذي هو بمعنى نفس حقيقة المخبر عنه من صفات اليوم الآخر لا يعلم كنه ذلك وكيفيته إلا الله تعالى، فيكون الوقوف على (إلا الله) ويكون معنى قوله (والراسخون في العلم) بمعنى أنهم يفوضون معرفة الكنه والكيفية


١ توضيح الكافية الشافية /٥٥.
٢ سورة آل عمران/ آية ٧.

<<  <   >  >>