للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والسنة، كما تقدم وذكر هذه الجملة من الأدلة على صحة هذا المذهب يعد رداً على غيره من المذاهب؛ وذلك لأنه إذا تعين أن هذا المذهب هو الحق فإن ما سواه يعد باطلاً لا يلتفت إليه.

ومع ذلك فقد تناول السعدي ـ رحمه الله ـ الرد على هؤلاء، ونقض شبههم وبين ضعفها وأنها ليس فيها حجة، وأنها مخالفة لمراد الله ورسوله، من وجوب إثبات هذه الصفة العظيمة لله عز وجل على الوجه اللائق به، كغيرها من صفاته عز وجل.

فناقش الفلاسفة والجهمية والمعتزلة والأشاعرة والكلابية والكرامية وغيرها من الطوائف التي ضلت في هذه الصفة وبين أنهم كلهم عدلوا عن الصراط المستقيم وألحدوا في هذه الصفة إذ لم يثبتوها لله عز وجل.

وقد تقدم معنا أقوال هذه الطوائف في هذه الصفة، والآن سنتناول ردوده عليهم، كل طائفة على حده باختصار.

ذكر قول الفلاسفة في صفة الكلام والرد عليه:

قال الشيخ ابن سعدي ـ رحمه الله ـ مبينا قول الفلاسفة ومن أين أخذوه: "فلما كان من أصولهم القول بقدم العالم وأن العقل الفعال هو المحدث لكل ما تحته وأن هذا العقل دائم الفيض على ما تحته على المحال المستعدة بحسب قابليتها، فيفيض الوجودات وأوصافها وأفعالها وأقوالها وآثارها، فيفسرون كلام الله على هذا الأصل الباطل فيقولون لما كان محمد قد اجتمعت فيه القوى الكاملة من الزكاء والذكاء والقوة العملية، فاض عليه من هذا العقل ما يناسب حاله وهو الكلام الراقي فتلقاه وأتى به للعباد ألفاظاً وخطابة ومواعظ خالية من البراهين لم تصرح بالحق بل رمزت إليه وأشارت إليه من بعيد"١.

ومقصود قولهم أن القرآن ليس كلام الله وإنما هو معاني تخيلها الرسول صلى الله عليه وسلم ونظمها وعبارات من عنده، وهذا قول باطل لا مرية في بطلانه، وهو ناتج أولا وقبل كل شيء عن عدم إيمانهم بالله عز وجل.

لذا يقول ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في بيان بطلان هذا المذهب: "ومن تصور أقوالهم جزم بأنهم لا يؤمنون بالله ولا يثبتون وجوده ولا يثبتون الرسالة ولا المعاد الأخروي، وعلم أن ما قالوه مع مخالفته لجميع ما جاءت به الرسل فإنه مخالف لما دلت عليه العقول الصحيحة، وأن ما ادعوه من العقليات هو في الحقيقة جهليات وخيالات. وبسط الكلام على مذهبهم يستدعي أكثر من ذلك، وإنما راج مذهبهم على كثير من الناس لما فيه من


١ توضيح الكافية الشافية /٣٣، ٣٤.

<<  <   >  >>