للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال رحمه الله في وصف الجنة من حين دخولها إلى ما يلقاه المؤمنون فيها من النعم: "حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فتلقاهم خزنة الجنة يسلمون عليهم، ويهنئونهم بالنجاة من العذاب وحصول الخير والثواب والخلود الأبدي بسبب طيبهم، فيقولون لهم سلام عليكم طبتم: أي طابت قلوبكم بالعقائد الصحيحة الصادقة، والأخلاق الجميلة وألسنتكم بذكر الله والثناء عليه، وجوارحكم بخدمته والقيام بطاعته، فادخلوها خالدين.

فإذا دخلوها ورأوا ما فيها من النعيم المقيم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، حمدوا الله على منته عليهم بالسوابق والإيمان والأعمال الصالحة وبإنجاز ما وعدهم به على ألسنة رسله، وعلى أن الله أورثهم الجنة يتبوؤون من خيراتها حيث يشاؤون وأنى يشاؤون مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من نعيم القلوب والأرواح، ومن نعيم الأبدان والأجسام {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ. مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ. يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ. وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. وَحُورٌ عِينٌ. كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} خيرات الأخلاق حسان الوجوه، قد جمع الله لهن حسن البواطن والظواهر فهن سرور وقرة النواظر.

وتمام ذلك أن الله يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً، وأنه يقال لهم أن لكم أن تشبوا فلا تهرموا، وإن لكم أن تصحوا فلا تموتوا أبداً، فلهم كل ما يشاءون فيها وتتعلق به أمانيهم، ولهم فوق ذلك مما تبلغه أمانيهم، ولهم نعيم أعلى من ذلك كله وهو التمتع بالنظر إلى وجهه الكريم، وسماع خطابه والابتهاج برضاه وقربه، والسرور بمحبته وذكره وحمده والثناء عليه وشكره، مما يشاهدون من كثرة الخيرات، وسوابغ النعم والهبات، وزيادة النعيم وتواصله، ومما يزدادون من معرفته والأنس به، فتبارك الله ذو الجلال والإكرام"١.

وله ـ رحمه الله ـ خطبة بليغة ذكر فيها جملة كبيرة من أوصاف الجنة ونعيمها ضمن مجموعة خطبه "الفواكه الشهية في الخطب المنبرية" قال في آخرها بعد تعداد جملة من أوصاف الجنة " ... لمثل هذه الدار فليعمل العاملون وفي أعمالها الموصلة إليها فليتنافس المتنافسون فواعجباً كيف نام طالبها، وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها، وكيف طاب القرار في هذه الدار بعد سماع أخبارها، وكيف للمشتاقين القرار دون معانقة


١ الخلاصة /٢٧، ٢٨.

<<  <   >  >>