للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والأخلاق العالية والآداب السامية كل أولئك اتفقوا على أن الله منفرد بالوحدانية منعوت بكل صفة كمال موصوف بغاية الجلال والعظمة والكبرياء والجمال، وأنه الخالق والرازق المدبر لجميع الأمور، وأنه منزه عن كل صفة نقص وعن مماثلة المخلوقين، وأنه لا يستحق العبادة والحمد والثناء والشكر إلا هو، فالدين الإسلامي على هذا الأصل أسس وعليه قام واستقام.

وأما ما عليه أهل الإلحاد فإنه ينافي هذا الأصل غاية المنافاة فإنه مبني على إنكار الباري رأساً، فضلاً عن الاعتراف له بالكمال وعن القيام بأوجب الواجبات وأفرض الفروض وهو عبوديته وحده لا شريك له، فأهل هذا المذهب أعظم الخلق مكابرة وإنكاراً لأظهر الأشياء وأوضحها فمن أنكر الله فبأي شيء يعترف؟ "فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون" وهؤلاء أبعد الناس عن عبودية الله والإنابة إليه وعن التخلق بالأخلاق الفاضلة التي تدعو إليها الشرائع وتخضع لها العقول الصحيحة، ومع خلو قلوبهم من توحيد الله والإيمان به وتوابع ذلك فهم أجهل الناس وأقلهم بصيرة ومعرفة بشريعة الإسلام وأصول الدين وفروعه"١.

وبهذه المقارنة بين ما عليه المؤمنون الموحدون وبين ما عليه أهل الإلحاد الكافرون، يظهر لكل صاحب بصيرة أن الفرق كبير والبون شاسع بين الفريقين {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} ٢.

{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} ٣.

ويظهر أيضاً لكل عاقل بطلان ما عليه هؤلاء الملاحدة، وأنهم في عماية وضلال وبعد عن الحق.

والمقصود أن مشكلة الإلحاد من أخطر المشاكل المعاصرة، وتحتاج إلى جهد من العلماء وتصد لها لإظهار بطلانها لكي لا تنطلي على أصحاب النفوس الضعيفة.

ولقد أعجبني الشيخ ابن سعدي ـ رحمه الله ـ باهتمامه بهذه المشكلة ومعالجته لها في كثير من مؤلفاته.

وهنا تظهر لنا فائدة هامة، تتعلق بمنهج الشيخ ابن سعدي في العقيدة.

وهي أن اهتمام السعدي بمعالجة مشكلة الإلحاد والملحدين يوضح لنا أن منهجه


١ انتصار الحق/١٠، ١١، ١٢.
٢ سورة الرعد/ الآية ١٩.
٣ سورة الرعد/ الآية/ ١٦.

<<  <   >  >>