للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يوصله إلى الآخرة واجتنب في مقابل ذلك الكفر والفسوق والعصيان، وبادر للتوبة من كل ما وقع منه من ذلك.

وصاحب الحرث إذا علم أنه لا ينال إلا بحرث ويسقي وملاحظة تامة جداً واجتهد في كل وسلية تنمي حرثته وتكملها، وتدفع عنها الآفات ...

واصل ابن سعدي ضرب الأمثلة على ذلك ثم قال:

وفي خلقه تعالى الأشياء بأسبابها من الحكمة والمنافع والأسرار ما لا يدركه الوصف.

وهذا من الأمور الجلية والحقائق الواضحة التي فطرت الخليقة كلها ـ حتى الحيوان البهيم ـ عليها"١.

وقال في شرحه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان"٢.

"وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين الإيمان بالقضاء والقدر والعمل بالأسباب النافعة، وهذان الأصلان دل عليهما الكتاب والسنة في مواضع كثيرة، ولا يتم الدين إلا بهما بل لا تتم الأمور المقصودة كلها إلا بهما؛ لأن قوله: "احرص على ما ينفعك" أمر بكل سبب ديني ودنيوي بل أمر بالجد والاجتهاد فيه، والحرص عليه نية وهمة وفعلاً وتدبيراً. وقوله: "واستعن بالله" إيمان بالقضاء والقدر، وأمر بالتوكل على الله الذي الاعتماد التام على حوله وقوته تعالى في جلب المصالح، ودفع المضار مع الثقة التامة بالله في نجاح ذلك.

فالمتبع للرسول صلى الله عليه وسلم يتعين أن يتوكل على الله في أمر دينه ودنياه وأن يقوم بكل سبب نافع بحسب قدرته وعلمه ومعرفته"٣

ثانيا: بيانه لمراتب القدر:

إن الإيمان بالقضاء والقدر لا يتم إلا بمعرفة مراتبه الواردة في الكتاب والسنة، ودل الكتاب والسنة على أن للقدر أربع مراتب.


١ الرياض الناضرة/١٦٤-١٦٧.
٢ أخرجه مسلم ٤/٢٠٥٢.
٣ بهجة قلوب الأبرار/٤١، وانظر الدرة البهية/٣٨.

<<  <   >  >>