للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ووجه ذلك أنهم يقولون: "إن أفعالهم لا تتعلق بها مشيئة الله وإرادته وإنما هم مستلقون بها من كل وجه".

وإذا كان هذا قولهم في مشيئة الله مع قولهم "إن الله يعلم أعمال العباد قبل أن يعلموها" فهذا تناقض محض: كيف يعلمها وهو لم يقدرها ولم يردها؟ هذا محال: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ١.

فليزمهم أحد أمرين:

إما أن يتناقضوا فينفوا الأمرين: علم الله بأفعالهم، ومشيئته لها فيتضح كفرهم وإما أن يرجعوا إلى الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة، وأجمع عليه المسلمون وهو: أنه تعالى كما أنه بكل شيء عليم وبكل شيء محيط فإنه على كل شيء قدير ومن جملة الأشياء أفعال العباد: طاعتهم ومعاصيهم، فهو تعالى يعلمها إجمالا وتفصيلاً قبل أن يعملوها، وأعمالهم وأفعالهم داخلة تحت مشيئة الله وإرادته فقد شاءها منهم وأرادها، ولم يجبرهم لا على الطاعات، ولا على المعاصي، بل هم الذين فعلوها باختيارهم كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ. وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ٢.

فهذه الآية فيها رد على القدرية النفاة وعلى القدرية المجبرة وإثبات للحق الذي عليه أهل السنة والجماعة.

ففي قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} أخبر أن مشيئتهم تابعة لمشيئته، وأنها لا توجد بدونها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وفي هذا رد على القدرية القائلين "إن مشيئة العباد مستقلة، ليست تابعة لمشيئة الله" بل عندهم: يشاء العباد ويفعلون ما لا يشاؤه الله ولا يقدره"٣.

وبهذا يظهر لنا أن قول القدرية في أفعال العباد إنها ليست داخلة تحت مشيئة الله وقدرته، قول باطل، مخالف لما تقرر في الكتاب والسنة من عموم قدرة الله ومشيئته، ولا يمكن أن يكون شيء في ملك الله إلا إذا شاءه الله وقدَّره. {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ٤.

وقال رحمه الله في ردوده على الطائفة الثانية وهم القدرية المجبرة القائلون "بأن العباد مجبورون على أفعالهم كالشجرة في مهب الريح".


١ سورة الملك/ الآية ١٤.
٢ سورة التكوير/ الآيتان ١٨، ١٩.
٣ الدرة البهية /٢٠، ٢١، بتصرف يسير.
٤ سورة آل عمران/ الآية ١٨٩.

<<  <   >  >>