للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فمشيئته تعلقت بكل شيء موجود من خير وشر وطاعة ومعصية، ومحبته خاصة للطاعات وأهلها كما أخبر بذلك في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم١.

وقال في موضع آخر شارحا مبيناً عقيدة السلف في ذلك وهي أنهم: "يقولون بما جاء به الكتاب والسنة من إثبات الأصلين:

أحدهما: الاعتراف بأن جميع الأشياء كلها أعيانها وأوصافها بقضاء وقدر، لا تخرج عن مشيئة الله وإرادته بل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

والأصل الثاني: أن أفعال العباد من الطاعات والمعاصي وغيرها واقعة بإرادتهم وقدرتهم وأنهم لم يجبروا عليها، بل هم الذين فعلوها بما خلق الله لهم من القدرة والإرادة ويقولون لا منافاة بين الأمرين فالحوادث كلها التي من جملتها أفعال العباد بمشيئة الله وإرادته والعباد هم الفاعلون لأفعالهم المختارون لها، فهم الذين اختاروا فعل الخيرات وفعلوها، واختاروا ترك المعاصي فتركوها، فاستحق الأولون المدح والثواب، واستحق الآخرون الذم والعقاب، ولم يجبر الله أحداً منهم على خلاف مراده واختياره، فلا عذر للعاصين إذا عصوا وقالوا إن الله قدرهم علينا فلنا بذلك العذر. فيقال لهم: إن الله قد أعطاكم المكنة والقدرة على كل ما تريدون وأنتم بزيغكم وانحرافكم أردتم الشر ففعلتموه والله قد حذركم، وهيأ لكم كل سبب يصرف عن معاصيه، وأراكم سبيل الرشد فتركتموه وسبيل الغي فسلكتموه.

وإذا أردت زيادة إيضاح لهذا المقام: فإنه من المعلوم لكل أحد: أن كل فعل يفعله العبد وكل كلام يتكلم به فلا بد فيه من أمرين: قدرة منه على ذلك الفعل والقول، وإرادة منه، فمتى اجتمعا: وجدت منه الأقوال والأفعال، والله تعالى خالق أفعال العباد، والعباد هم الفاعلون لها حقيقة ... وقد دلت أدلة الكتاب والسنة الكثيرة على أن الله خالق كل شيء وعلى كل شيء قدير، وأن كل شيء بقضاء وقدر الأعيان والأوصاف والأفعال.

ودلت أيضاً أدلة الكتاب والسنة أن العباد هم الفاعلون لفعلهم حقيقة بقدرتهم واختيارهم، فإنه تعالى نسب إليهم وأضاف إليهم كل ما فعلوه من إيمان وكفر وطاعة ومعصية، وأنه تعالى مكنهم من هذا، ولكنه حبب الإيمان إلى المؤمنين وزينه


١ الدرة البهية /٢٤، ٢٥.

<<  <   >  >>