للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مملكته, يرسل رسله إلى أقاصي مملكته بأوامره, فيرضى على من يستحق الرضا, ويثيبه ويكرمه ويدنيه, ويغضب على من يستحق الغضب ويعاقبه ويهينه ويقصيه, فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء ويعطى من يشاء ويقرب من يشاء ويقصى من يشاء, له دار عذاب وهي النار, وله دار سعادة عظيمة وهي الجنة. فمن أبطل شيئا من ذلك أو جحده وأنكر حقيقته فقد قدح في ملكه سبحانه وتعالى ونفى عنه كماله وتمامه.

وكذلك من أنكر عموم قضائه وقدره فقد أنكر عموم ملكه وكماله فيشهد المصلي مجد الرب تعالى في قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ففيها سر الخلق والأمر والدنيا والآخرة وهي متضمنة لأجل الغايات وأفضل الوسائل, فأجل الغايات عبوديته وأفضل الوسائل إعانته فلا معبود يستحق العبادة إلا هو ولا معين على عبادته غيره, فعبادته أعلى الغايات وإعانته أجل الوسائل, وقد أنزل الله سبحانه وتعالى مئة كتاب وأربعة كتب جمع معانيها في أربعة: وهي التوراة والإنجيل والقرآن والزبور, وجمع معانيها في القرآن وجمع معانيه في المفصل وجمع معانيه في الفاتحة وجمع معانيها في: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . وقد اشتملت هذه الكلمة على نوعي التوحيد: وهما توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية, وتضمنت التعبد باسم الرب واسم الله فهو يعبد بألوهيته ويستعان بربوبيته ويهدي إلى الصراط المستقيم برحمته فكان أول السورة ذكر اسمه: الله والرب والرحمن تطابقا لأجل الطالب من عبادته وإعانته وهدايته. وهو المنفرد بإعطاء ذلك كله. لا يعين على عبادته سواه ولا يهدي سواه.

ثم يشهد الداعي بقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} شدة فاقته وضرورته إلى هذه المسألة التي ليس هو إلى شيء أشد فاقة وحاجة منه إليها البتة فإنه محتاج إليه في كل نفس وطرفة عين. وهذا المطلوب من هذا الدعاء لا يتم إلا بالهداية إلى الطريق الموصل إليه سبحانه, والهداية فيه وهي هداية التفصيل وخلق القدرة على الفعل وإرادته وتكوينه وتوفيقه لإيقاعه له على الوجه المرضي المحبوب للرب سبحانه وتعالى. وحفظه عليه من مفسداته حال فعله وبعد فعله, ولما كان العبد مفتقرا في كل حال إلى هذه الهداية في جميع ما يأتيه ويذره من

<<  <   >  >>