للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ذلك بالاعتراف بالعبودية وأن ذلك حكم عام لجميع العبيد ثم عقب ذلك بقوله: "لا مانع لما أعطيت ولامعطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" , وكان يقول ذلك بعد انقضاء الصلاة أيضا, فيقوله في هذين الموضعين إعترافا بتوحيده ون النعم كلها منه, وهذا يتضمن أمورا أحدها أنه المنفرد بالعطاء والمنع. الثاني: أنه إذا أعطى لم يطق أحد منع من أعطاه وإذا منع لم يطق أحد إعطاء من منعه.

الثالث: أنه لاينفع عنده ولا يخلص من عذابه ولا يدني من كرامته جدود بني آدم وحظوظهم من الملك والرئاسة والغنى وطيب العيش وغير ذلك, إنما ينفعهم عنده التقرب إليه بطاعته وإيثار مرضاتهز

ثم ختم ذلك بقوله: "اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد" , كما افتتح به الركعة في أول الاستفتاح كما كان يختم الصلاة بالاستغفار وكان الاستغفار في أول الصلاة ووسطها وآخرها, فاشتمل هذا الركن على أفضل الأذكار وأنفع الدعاء من حمده وتمجيده والثناء عليه والاعتراف له بالعبودية والتوحيد والتنصل إليه من الذنوب والخطايا فهو ذكر مقصود في ركن مقصود ليس بدون الركوع والسجود.

فصل

ثم يكبر ويخر لله غير رافع يديه؛ لأن اليدين تنحطان للسجود كما ينحط الوجه فهما ينحطان لعبوديتهما فأغنى ذلك عن رفعهما, ولذلك لم يشرع رفعهما ثم رفع الرأس من السجود؛ لأنهما يرفعان معه كما يوضعان معه, وشرع السجود على أكمل الهيئة ومنعتها في العبودية وأعمها لسائر الأعضاء بحيث يأخذ كل جزء من البدن بحظه من العبودية, والسجود سر الصلاة وركنها الأعظم وخاتمة الركعة وما قبله من الأركان كالمقدمات له فهو شبه طواف الزيارة في الحج فإنه مقصود الحج ومحل الدخول على الله وزيارته وما قبله كالمقدمات له, ولهذا أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد, وأفضل الأحوال له حال يكون فيها أقرب إلى الله, ولهذا كان الدعاء في هذا المحل أقرب إلى الإجابة. ولما خلق الله سبحانه العبد من الأرض, كان جديرا بأن لا يخرج عن أصله

<<  <   >  >>