للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لهذا الذكر لما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} , قال: "اجعلوها في ركوعكم". وأبطل كثير من أهل العلم صلاة من تركها عمدا, وأوجب سجود السهو على من سها عنها, وهذا مذهب الإمام أحمد ومن وافقه من أئمة الحديث والسنة, والأمر بذلك لا يقصر عن الأمر بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ووجوبه لا يقصر عن وجوب مباشرة المصلي بالجبهة واليدين الركوع تعظيم الرب جل جلاله بالقلب والقالب والقول, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الركوع فعظموا فيه الرب".

فصل

ثم يرفع رأسه عائدا إلى أكمل حديثه, وجعل شعار هذا الركن حمد الله والثناء عليه وتحميده, فافتتح هذا الشعار بقول المصلي: "سمع الله لمن حمده" أي: سمع سمع قبول وإجابة, ثم شفع بقوله: "ربنا ولك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء" ولا يهمل أمر هذه الواو في قوله: "ربنا ولك الحمد"؛ فإنه قد ندب الأمر بها في الصحيحين, وهي تجعل الكلام في تقدير جملتين قائمتين بأنفسهما, فإن قوله: "ربنا" متضمن في المعنى أنت الرب والملك القيوم الذي بيديه أزمة الأمور وإليه مرجعها فعطف على هذا المعنى المفهوم من قوله: "ربنا". قوله: "ولك الحمد" فتضمن ذلك معنى قول الموحد: له الملك وله الحمد. ثم أخبر عن شأن هذا الحمد وعظمته قدرا وصفة فقال: "ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء" أي: قدر ملء العالم العلوي والسفلي والفضاء الذي بينهما, فهذا الحمد قد ملأ الخلق الموجود وهو يملأ ما يخلقه الرب تبارك وتعالى بعد ذلك ما يشاؤه فحمده قد ملأ كل موجود وملأ ما سيوجد فهذا أحسن التقديرين. وقيل: ما شئت من شيء وراء العالم فيكون قوله بعد: للزمان على الأول, والمكان: على الثاني. ثم أتبع ذلك بقوله: "أهل الثناء والمجد" فعاد الأمر بعد الركعة إلى ما افتتح به الصلاة قبل الركعة: من الحمد والثناء والمجد, ثم أتبع ذلك بقوله: "أحق ما قال العبد" تقريرا لحمده وتمجيده والثناء عليه, وأن ذلك أحق ما نطق به العبد, ثم أتبع

<<  <   >  >>